الرقة تذبح بصمت
لم يمض الا يومان على التهديدات التي صدرت عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عقب الهجوم الكيماوي في بلدة خان شيخون في سوريا، والذي أسفر عن سقوط عشرات القتلى وأصابة المئات بجروح، الا وأصدر ترامب أمرا بشن ضربة صاروخية على قاعدة “الشعيرات” في ريف حمص، والتي تقول الإدارة الأمريكية أن من أراضيها انطلقت الطائرات السورية التي قامت بشن الهجوم الكيماوي بغاز الأعصاب.
وكان ترامب قد أنتقد ما وصفه بضعف إدارة سلفه باراك أوباما في مواجهة هجوم كيماوي آخر وقع عام 2013، وذلك على الرغم من أن أوباما قال حينها أن استخدام السلاح الكيماوي هو “خط أحمر” لن يسمح لنظام الأسد بتجاوزه. ومع ذلك، لم تفعل ادارة أوباما شيئا، الأمر الذي رأى ترامب أنه شجع نظام الأسد على تكرار الهجمات.
ومن ثم، كان رد فعل ترامب سريعا، وأتخذ قرارا يخدم مصالح الأمن القومي الأمريكي، كما قال، وذلك بالعمل على منع استخدام الأسلحة الكيماوية. وقامت سفينتان حربيتان أمريكيتان في البحر المتوسط بإطلاق 59 صاروخا من طراز توما هوك فجر الجمعة 7 أبريل/نيسان أدت الى تدمير كامل لقاعدة الشعيرات، ثاني أكبر قاعدة عسكرية في سورية، والتي تؤدي دورا هاما في تنسيق الهجمات على السوريين منذ العام 2011.
وعلى الفور أصدر المتحدث باسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بيانا أدان فيه بشدة الضربة الصاروخية الأمريكية، ووصفها بأنها “اعتداء على دولة ذات سيادة”، وشدد على أنها تنتهك القانون الدولي نظرا لأن واشنطن لم تحصل على موافقة مجلس الأمن للقيام بعمل عسكري.
النظام السوري رد على على الهجمات ببيان تحدث فيه عن استهداف قاعدة الشعيرات وحدوث أضرار مادية وخسائر بشرية، وتوعد البيان بالرد على العدوان “بمواصلة الحرب على الارهاب” والذي يقرأه السوريون بأنه سيرتكب المزيد من المجازر وهذا ما حدث فاغار الطيران الحربي على مدينة ادلب بعشرات الغارات وكذلك شهد حي جوبر تصعيدا في العمليات العسكرية.
الضربة كانت محدودة ومركزة وقصيرة هدفها سياسي أكثر ما هو عسكري، الرسالة الأولى كانت للعالم لتظهر أنّ أمريكا ترامب ليست أمريكا أوباما، قوية وقادرة على الرد وتتحدى روسيا ان لزم الامر، وقد قعلتها في فترة الحرب الباردة وفي قمة صراعها مع الاتحاد السوفييتي وقامت بضربب القوات الصربية وانقاذ آلاف المسلمين من حرب الابادة على يد قوات مليوسفتيتش وتمت محاكمته كمجرم حرب حيث اصبحت مدينة سيربينتشا رمزا للهمجية الكرواتية المدعومة من موسكو، كما أضحت حلب اليوم رمزا للمأساة في سوريا، لو تطورت الأمور وقرر ترامب ازاحة الأسد بالقوة.
الحقيقة أنّ المشكلة سياسية أكثر منها عسكرية والاعتراض الروسي لن يغير من غاية الولايات المتحدة المشكلة الحقيقية أن الولايات المتحدة لا تريد التورط أكثر في سوريا بعد التعقيد الحاصل ولذلك تعتقد أن أولويتها هي محاربة داعش وليس الأسد كما صرح بذلك ترامب، الأسد الذي تلقف الرسالة وفهمها كما يبدو كرخصة للقتل فتجاوز الخط الأحمر مجددا باستخدام الكيميائي مجدداً، لكن الامر حصل بغير المتوقع وكانت ردة الفعل الأمريكية غير المتوقعة، البعض يقارن الموقف الأمريكي بموقف ادارة كلينتون ابان الغزو العراقي للكويت حيث كانت التصريحات الأمريكية لا توحي بموقف عنيف في حال أقدم نظام صدام على ذلك وما ان غزا الكويت حتى قامت بحربها في معركة “حرب الصحراء”، لكن الفرق هذه المرة ان نسبة من السوريين تريد الخلاص من الأسد باي وسيلة ليتوقف القتل ويبعد الاسد ومحاربيه عن سوريا.
الحرب على سوريا سيكون لها تداعيات سياسية وانسانية يمكن حتى للولايات المتحدة ان تجني ثمارها فلا تبدو كمحارب لداعش والنصرة وتدعم الاسد مما يقدم دعاية مجانية لهذه التنظيمات بأنّ الولايات المتحدة تحاربهم لأنهم “سنّة” وبالتالي تسحب البساط من تحت التطرف، كذلك ستساهم في بتر ذراع الأيرانيين وحزب الله وهو هدف استراتيجي لكل دول المنطقة، التي لن تتوانى عن تحمل العبء الأكبر وذلك في سبيل “استقرار المنطقة ومصالحها بالطبع، وتهيء الظروف لعودة اللاجئين إلى بلادهم وتخلص أوروبا من موضوع الهجرة غير الشرعية الذي أقض مضجعها مؤخرا ، كل هذه المكاسب يمكن أن يتحقق في حال كان هناك سلطة جامعة تضع عقد اجتماعي جديد للسوريين يمكنهم من اختيار سلطتهم عبر انتخابات باشراف دولي.
ان مثل هذا السيناريو ممكن وواقعي في حال تخلصت الولايات المتحدة عن تصوراتها السطحية عن طبيعة الصراع في سوريا ورؤيته من باب أنه ثورة ضد طاغية وما داعش وغيرها من التطرف الا افراز من افرازات عدم اكتراث العالم للسوريين وهم يقتلون.