الرقة الجريحة، يستمر النزف، الطائفية ومستقبل الأوطان، وهم العرب، ودع جنيف “5” ليستقبل جنيف “6”، خمسة ملايين لاجئ، درع الفرات انتهت. ماذا بعد؟.
تحليل هذه الأخبار وغيرها في”قراءة في أحداث الأسبوع”
الطائفية ومستقبل الأوطان
الجيش الأمريكي: وجود أكثر من مئة ألف من المليشيات الشيعية يعقد الوضع الأمني بالعراق.
تدرك القيادة الأمريكية أكثر من غيرها أن السبب الرئيس لولادة “داعش” السياسات الطائفية التي انتهجتها الحكومات العراقية التي جاءت على ظهر الدبابة الأمريكية، فداعش رغم وجهه الإرهابي القبيح إلا أنه ردة فعل، وشتان بين الفعل وردته، وبدلاً من أن يدفع ظهور داعش الجميع لمراجعة سياساتهم المدمرة للأوطان نراهم يمضون في غيهم، ويصرّون على إطفاء نار داعش بسكب بنزين وزيت الطائفية.
مئة ألف مقاتل طائفي مرتبطون بدولة طائفية إرهابية قادرون ليس على تدمير العراق وحسب بل تدمير المنطقة بأكملها. وعليه فإننا نتفق مع تصريح الجيش الأمريكي، ونرى أن الأمان للعراق لن يعود إلا من خلال تفكيك الميليشيات الطائفية، وانتهاج سياسة وطنية، وفك الارتباط مع الحكومة الإيرانية، وينسحب الأمر ذاته في سورية، فلا يمكن لنظام إرهابي فرّخ الإرهاب أن يكون شريكاً في محاربة الإرهاب، وتتحمل الولايات المتحدة جزءاً كبيراً مما يحدث في منطقتنا، فهي التي أطلقت يد إيران في العراق، وسمحت لها مد يد العون للنظام السوري، ولولا غض أمريكا الطرف عن ذلك لما وصلنا لهذه الحال المزرية، فهل تصحح الولايات المتحدة نهجها أم تبقى أقوالها في واد، وأفعالها في واد؟.
وهم العرب
أمير الكويت: وهم الربيع العربي عطل التنمية والبناء في عدة دول.
تختصر عبارة أمير الكويت واقع الجامعة العربية وواقع النظام العربي، فالجامعة العربية وُجدت للحفاظ على الأنظمة العربية، وتحقيق مصالح هذه الأنظمة دون الشعوب، هذه الأنظمة التي هزّ الربيع العربي عروشها باتت اليوم أكثر طمأنينة، وأكثر جرأة اليوم في مهاجمة هذا الربيع الذي لم يُكتَب له أن يزهر حتى الآن، وبات واضحاً بعد ست سنوات أن ثورات الربيع العربي لم تكن يتيمة وحسب بل كانت مضطهدة، وما حصلت عليه بعض الثورات من دعم لم يكن هدفه نصرة الثورات بقدر ما كان هدفه الانتقام من هذه الأنظمة أو معاقبتها على سلوك ما، ويبدو هذا واضحاً في الأزمة السورية إذ يعرف المتابع للأزمة السورية، العالم بخباياها أن الغالبية الساحقة للدول العربية وقفت ضد الثورة السورية وإن أظهرت الوقوف لجانبها، فهذه الوقفة كانت تقية سياسية لئلا يثور الشارع في بلدانهم عليهم.
وينبغي الإشارة هنا أن ما يسميه الحكام “وهم الربيع” حصل نتيجة عدم وجود عملية تنمية وبناء فالبلاد العربية عموماً تعيش تخلفاً على كافة المستويات، فلا يوجد أية جامعة عربية ضمن 500 جامعة على المستوى العالمي، وحتى دول الخليج لم تستثمر المنحة الربانية “النفط” لخلق عمليات تنمية حقيقية، فمعظمها سينهار بمجرد نضوب النفط.
إن الربيع العربي قام لانتشال المواطن من الفقر والقمع والجهل لكن الأنظمة الاستبدادية نجحت حتى الآن في كبح جماحه لكنّ ذلك لن يستمر طويلاً فأعمار الشعوب وتجاربها لاتقاس بست سنوات، وحتماً سيتحول الوهم لحقيقة أيها الحكام النائمون المزعجون لشعوبهم بشخير استبدادهم.
صراع الكبار يطحن الصغار
-لافروف: موسكو تطالب باجتماع خاص لمجلس الأمن حول التصرفات الأمريكية في الموصل.
-الجيش الأمريكي: يُحتمل أن تزود روسيا حركة طالبان الأفغانية بالسلاح لتكريس نفوذها.
لم يشهد العالم بعد الحرب الثانية حرباً عسكرية مباشرة بين قوتين عظيمتين، واقتصرت على حروب بالوكالة بين دول أصغر، ونزاعات وشقاقات بين الإخوة كحال الكوريتين، وما يؤسف له أنّ الدول الكبرى تتخذ من دماء الشعوب المسحوقة وقوداً لتحقيق مكاسب سياسية، فروسيا لا تطلب اجتماعاً حرصاً على أرواح أهل الموصل بل لتسجيل نقاط على الولايات المتحدة التي انتقدت القصف الهمجي الروسي على المدنيين في سورية. ولا بدّ من الإشارة أن نقد الولايات المتحدة للسلوك الروسي لم يكن دافعه كذلك الحرص على أرواح المدنيين السوريين، فقد كان بإمكان الولايات المتحدة منع الروس من ارتكاب تلك المجازر.
وتصريح الجيش الأمريكي حول السلوك الروسي في أفغانستان لا يبشر بخير، فهذا يعني أن الأزمة السورية ذاهبة لمزيد من التعقيد، فكل طرف يحاول تحقيق مكاسب على الأرض، وما القواعد العسكرية الأمريكية والروسية في سورية إلا دليل على رغبة الطرفين استمرار الصراع لأمد طويل، وما يؤسف له أن الانقسام يأخذ منحًى عمودياً مما يُصِعّب مستقبلاً الحل فهل دخلت سورية في نفق التجربة الأفغانية أم الكورية في شكل معدل؟.
ودع جنيف 5 ليستقبل جنيف 6
انتهى جنيف 5 كما بدأ، وموسكو تستعجل جنيف 6.
في ظل غياب الإرادة الدولية الحقيقية لحل سياسي حقيقي تتحول مؤتمرات جنيف لمسلسل مكسيكي ممل. فكما توقعنا في الأسبوع الماضي تماماً انتهى جنيف 5 يوم الجمعة دون أية نتيجة، فروسيا تريده مؤتمراً لاستسلام المعارضة، وتعويم نظام الأسد، وهذا ما يفسر استعجال روسيا المؤتمر تلو المؤتمر فالدور الأمريكي غائب تماماً عن المشهد السياسي، ويُسجّل لوفد المعارضة السورية الحفاظ على ثوابت الثورة السورية، ورفض الخضوع للإملاءات الروسية، فما زال الانتقال السياسي “رحيل الأسد ونظامه” بنداً ومطلباً أول للمعارضة السورية، فالانتقال السياسي هو مفتاح الحل السياسي. وهو المفتاح للحرب على الإرهاب، فلا يمكن محاربة الإرهاب بحكومة إرهابية راعية للإرهاب، فمحاربة الإرهاب تتطلب حكومة شرعية لها قبول شعبي.
ونستبعد الوصول لحل سياسي في جنيف 6 في ظل الوضع السياسي الدولي من الأزمة السورية.
الرقة الجريحة، يستمر النزف
قسد تقترب من حصار الطبقة بعد حسمت الولايات المتحدة أمرها باختيار حليفها في معارك الرقة، واختيار الولايات المتحدة لميليشيات سورية الديمقراطية التي يتحكم الكرد بها يعني استمرار نزيف الجرح للرقة، واستمرار معاناة أهلها، فاختيار “قسد” سيزيد من صلابة تنظيم داعش الذي سيلبس المعركة ثوباً إضافياً “الصراع القومي” مما يعني أنّ دماراً كبيراً سيلحق المدينة حتى طرد داعش، ودماراً آخر بعد طرد داعش، وسيطرة “قسد” على مطار الطبقة، واقترابها من حصار المدينة يدلل أن قوات بشار الأسد خارج اللعبة تماماً كقوات درع الفرات إذ سيقتصر دورهما على متابعة المشهد من بعيد.
قد يبدو مفهوماً رفض الولايات المتحدة مشاركة قوات النظام بمعارك الرقة، لكن رفض تحرير المدينة على يد تركيا والثوار يثير كثيراً من نقاط الاستفهام. فكيف تفضل الولايات المتحدة تنظيماً يتبع حزب إرهابي “حزب العمال” على دولة حليفة عضو بحلف “النيتو”، ولاسيما أن قوات درع الفرات أظهرت كفاءة بمحاربة داعش؟!.
إنّ اختيار الولايات المتحدة لـ”قسد” دون سواها يخفي أشياء لم تفصح الولايات المتحدة عنها حتى الآن، وستتكشف حتماً بعد معركة الرقة، وربما بعد معركة دير الزور التي ستدار بصيغة معينة بين الروس والأمريكان. ولا شك أن ما يطبخه الأمريكان لن يصب في صالح السوريين، ومن المؤكد أن مشروع الدولة الكردية سيفشل فالرقة مدينة عربية بامتياز لن يتمكن الكرد من الاستمرار في حكمها طويلاً ولو وقفت معهم قوى الدنيا كلها، وبالتالي ستكون الرقة الصخرة التي سيتحطم عليها المشروع الاتفصالي، ولكنها ستدفع فاتورة كبيرة.
خمسة ملايين لاجئ
تخطى عدد اللاجئين السوريين في الخارج عتبة 5 ملايين.
يوضح الرقم بجلاء مأساة الشعب السوري فـ 25% من الشعب السوري بين لاجئ ومعتقل وجريح ومقتول، وإذا ضمّ إليهم عدد النازحين في الداخل السوري تجاوزت النسبة 50% من الشعب السوري، ويأتي بعد ذلك من يتحدث عن انتقال سياسي يقوده نظام الأسد، ولايدرك هؤلاء أن بقاء الأسد يعني أن اللاجئين لن يعودوا إلى سورية، وإذا عرفنا أن خيرة الخبرات السورية العلمية والحرفية ضمن هؤلاء اللاجئين أدركنا أن المراد من وصفة بقاء الأسد دمار سورية المستقبل.
لا يوضح رقم 5 مليون هول الحرب فحسب بل يكشف في جانب منه عمليات التغيير الديمغرافي الحاصلة في سورية، والتي تستهدف هوية المجتمع السوري وبنيته الديمغورافية فالوجود السني لم يعد أكثرية إذا استمرت عمليات التهجير، والوجود المسيحي إلى زوال، والنعرات الطائفية والعرقية المدمرة تنمو بشكل سرطاني.
لم يشهد التاريخ تهجير سلطة ما لربع سكانها، كما لم يشهد التاريخ مثل هذا الصمت والتواطؤ الدوليين.
علي يلدريم: عملية درع الفرات كانت ناجحة وانتهت. وأي عملية تليها سيكون لها اسم مختلف.
وزير الدفاع التركي: الإعلان عن انتهاء عملية “درع الفرات” بسورية لا يعني انتهاء التهديدات وعودة قواتنا على الفور.
مجلس الأمن القومي التركي: عملية درع الفرات شمالي سورية تكللت بالنجاح.
لا شكّ أن عملية “درع الفرات” كانت ناجحة بالنسبة للجانب التركي، ولكنه نجاح ناقص مقيّد، فانطلاق عملية درع الفرات حصلت نتيجة تفاهمات تركيا مع كل من روسيا والولايات المتحدة، ومن أعطى تركيا الضوء الأخضر وضع لها الخط الأحمر. فالروس قطعوا الطريق أمامها نحو الرقة، والأمريكان منعوها من التقدم نحو الرقة من جهة تل أبيض، وتظهر القيود في بقاء منبج تحت سيطرة “قسد” فلم تجرؤ تركيا على مهاجمة قسد في منبج لأنها لم تأخذ الضوء الأخضر من الروس والأمريكان، فالنجاح التركي اقتصر على منع ميليشيات الحشد الكردية من وصل عين العرب بعفرين، وبإزالة الوجود الداعشي من الحدود التركية.
وصبّت عملية “درع الفرات” بشكل غير مباشر في صالح النظام السوري الذي وجد من يحمل عنه جزءاً من عبء محاربة داعش مما أضعف داعش، ومكن النظام التمدد شرقاً ليصل حتى مدينة دير حافر هذا من جهة، كما أن وصل عين العرب بعفرين سيجعل الكرد أكثر استقلالاً عن النظام، وبالتالي جاء منع وصلهما لصالح النظام.
ولا نجانب الحقيقة إذا قلنا إن الثوار كانوا الخاسر الأكبر في عملية درع الفرات، فالمشاركين في عملية درع الفرات يخضعون للأوامر العسكرية التركية، وأصبحوا أشبه بحرس حدود للجانب التركي فليس بوسعهم تحرير مناطقهم شرقاً “منبج” ولا غرباً “تل رفعت” ولا حتى جنوباً “حلب” إذ باتوا مكبلين.
لقد جعلت عملية درع الفرات الوضع العسكري للثوار ينتقل من خانة الثورة لخانة الصفقات والحسابات السياسية الإقليمية والدولية، ولا ينبغي أن ننكر أن عملية درع الفرات أمّنت مكاناً آمناً لأهالي حلب وريفها بعد أن وقعوا ضحية بين فكي قسد وداعش والنظام.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.