الرقة تذبح بصمت
لا يختلف اثنان اليوم على قرب اندحار داعش من الرقة نتيجة التطورات الاخيرة التي شهدتها المنطقة ونجاح مليشيا “قسد” بدعم جوي وبري من قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن بالاقتراب أكثر من مدينة الرقة وحالة الوهن الشديدة وعدم المقاومة “نسبيا” التي ابداها التنظيم، لكن السؤال الأبرز ماذا بعد خروج داعش من الرقة، من سيستلم ادارة المدينة، مليشيا قسد – التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عمودها الفقري لا تملك من ارادتها شيئا فهمشت الجيش الحر واعتقلت قاداته بينما تحالفت مع مليشيات تابعة لنظام الأسد – بدأت تلمح إلى أنّ الرقة ستنضم إلى “فيدرالية الشمال”، وأنّها تدرب قوات شرطة محلية وأعلنت كذلك عن نيتها تشكيل “مجلس ادارة ذاتية” ستتولى ادارة المدينة في تكرار لما يبدو لسناريو مدينة منبج حيث شكلت الوحدات ادارة تابعة لها لتقول أنها سلمت أهالي المنطقة ادارة شؤونهم.
بالنسبة لحزب صالح مسلم فمدينة الرقة لا تشكل أي أهمية جغرافية لهم فهي لا تحوي على أي أغلبية كردية مهمة وهي حتى ليست في ضمن أراضي “روج آفا” المشروع الخاص بهم، الغرض من خوض المعركة التي فرضتها واشنطن عليهم تقوية وضعهم السياسي ودخولهم المعركة السياسية كطرف رئيس محارب للإرهاب، وكذلك منع قوات الجيش السوري الحر من الوصول إلى المدينة مما يعني وجود مشروع عسكري جامع يمثل معظم أبناء المنطقة، مما يهدد مشروعهم الإنفصالي وخاصة منطقة تل أبيض التي تحاول فصلها عن المحافظة بغية استكمال وصل مناطق رأس العين بعين العرب “كوباني” بعد خسارتها لامكانية وصل الأخيرة بعفرين بعد دخول قوات الجيش الحر مدعومة بتركيا وسيطرتها على المنطقة الواقعة بين اعزاز والباب.
حاولت قوات “قسد” التقرب من السكان وصنع تحالفات محلية فشلت جميعها، الفشل طبعاً جاء نتيجة طبيعية لممارسات تلك القوات من قبل حين سيطرت على الريف الشمالي للمدينة وقامت بتهجير قرى وبلدات لعل أهمها مدينة سلوك والذي وثقت منظمة العفو الدولية ذلك التهجير عدا عن حملات التجنيد الإجباري للسكان أو الترحيل من المنطقة ولا يستطيع أحد إنكار ذلك، كذلك قيامها بتغيير اسم مدينة تل أبيض إلى “كري سبي” ومنع التدريس الا بالمناهج التي وضعتها وباللغة الكردية، وتمجيد لقائد الـ””pkk التركي عبدالله أوجلان واجبار السكان على التعطيل في ذكرى اعتقاله من قبل الأتراك، كل ذلك دفع السكان لرفضهم ورفض مشروعهم حتى أن تلك القوات أعلنت منذ شهرين عن تأييد عشائر “الوزة” لهم وهي أكبر عشائر المنطقة كما صرحوا، تلك العشيرة التي لم يسمع بها سكان المنطقة إلا من فم المتحدث باسم “غضب الفرات”!.
النظام السوري ليس بعيدا مما يحدث فقد تلجأ قوات “قسد” إلى تسليم المدينة أو أجزاء من المنطقة لنظام الأسد عبر صفقة ما يكون فيها تواجد النظام مانعا لأي تقدم من قبل الجيش الحر ولمن يستبعد هذا السيناريو عليه أن يرجع بضعة أسابيع حين سلمت “قسد” عدة قرى في ريف منبج إلى “حرس الحدود” التابع للنظام السوري لقطع الطريق على قوات الجيش الحر من دخول منبج، ولم يكن البيان غامضاً حين أشار إلى قوى “حرس الحدود” التي تتواجد عادة بين دولة ودولة وليس في عمق الدولة نفسها، البيان أشار وبشكل لا يعتريه شك أنها “حدود بين دولتين” ، ثم دخلت قوات روسية إلى قرى منبج فمالذي يمنعها من تكرار السيناريو، الولايات المتحدة بقيادة ترامب ليست مهتمة إلا بأمر واحد وهو “طرد داعش من عاصمته في الرقة” هذا ما يؤكدون عليه جهارا نهارا، أما التصريحات التي نقلتها الصحافة عن مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط “وليد فارس” بأنّ من سيدير الرقة هم سكانها هي ذر للرماد في العيون فقد صدرت عدة تصريحات بذلك حين سيطرت ميليشيات وحدات الحماية على تل أبيض ومن قبلها منبج.
اليوم تقع المسؤولية الكبرى على أبناء الثورة السورية من فعاليات سياسية واعلامية وثقافية وأبناء الرقة والمنطقة الشرقية بشكل خاص بتسليط الضوء على حقيقة تلك القوات وممارساتها بحق السكان و اعلان موقف واضح وصريح من رفض دخول تلك القوات المدينة واعتبارها قوات محتلة شأنها كشأن داعش، والضغط على كل القوى المحلية والأقليمية والدولية لرفض سيطرة هذه الميليشيات أو أي هيئات أو مؤسسات تصدر عنهم لإدارة المدنية، و إن الأولى في ادارة المدينة هم أبناؤها وأهلها وليس قوات ستقوم بتهجيرهم واعتقالهم وتجنيدهم بالقوة لخوض معارك لا تخدم في أجندتها السياسية سوى قيادة صالح مسلم في قنديل.