الرقة تذبح بصمت
تتجهُ أنظار العالم كلّهُ تِلقاء الرّقّة بعد إعلان القائد العام لمليشيا وحدات حماية الشعب/ المُكوِّن الرئيسي لما يُعرف ” قوات سوريا الديمقراطية”، بأنّ الأول من أبريل/ نيسان هو الموعد المتفق لبدء عملية “تحرير” الرقة من سيطرة تنظيم ‹‹ داعش›› بحسب ما صرّح به لوكالة رويترز لكنّ المتحدّث باسم وزارة الدفاع الأمريكية ” البنتاجون” أكّد لرويترز: ” إنّه لم يتم بعد اتخاذ قرار بشأن هجوم الرقة وهو جزء من عملية مزدوجة لتفكيك الخلافة التي أعلنها التنظيم في مناطق سورية والعراق عام 2014″.
أولى أمارات هذه المعركة والإشارات الحقيقية لبدئها؛ كان الإنزال الجوي الذي قامت به القوات الأمريكية ـــ الكردية في ريف مدينة الطبقة وتحديداً في قرية أبو هريرة وتضمنت اشتراك أكثر من 500 من القوات الأمريكية الخاصة مطعمة بعناصر ميليشيا “قوات سوريا الديمقراطية” المعروفة اختصاراً “قسد” ونتيجة هذا الإنزال استطاعت تحقيق هدف استراتيجي مهم؛ وهو قطع الطريق الدولي الواصل بين حلب والرقة لتسهيل إطباق الحصار على مدينة الطبقة وعزلها في خطوة استراتيجية مخادعة للتنظيم وخصوصاً بعد الإيحاء إنّ الهجوم سيكون من الجهة الشمالية للمدينة.
تغيير قواعد الاشتباك
في مقاله المنشور في مجلة السياسات الخارجية “Foreign Policy” بتاريخ الرابع عشر من شباط/ فبراير 2017 قال الصحافي سامويل أكفورد : أنّ الولايات المتحدة استخدمت مواداً سامة في حربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية ‹‹ داعش›› في العام 2015 مما أدى إلى إصابة السكان في تلك المناطق بتشوهات وعاهات خلقية، وأضاف أكفورد بإن ّالمتحدث باسم الجيش الأمريكي “جوش جاك” أخبر كلاً من Airwars و Foreign Policy ” بإنّ طائرة أمريكية من طراز A-10 أطلقت 5265 طلقة من العيار 30 مم الخارقة للدروع والتي تحتوي على اليورانيوم المُنضب في الثاني عشر والسادس عشر من تشرين الثاني من العام 2015، مُدمرِّةً بذلك حوالي 350 عربة في صحراء سوريا الشرقية”.
بعد نجاحه في الانتخابات وتقلده لزمام السلطة في البيت الأبيض، أكّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أول خطاب له في يناير/ كانون الثاني 2017 على نيته القضاء على “التطرّف الإسلامي” كما يسمّيه قائلاً: “سنعزز التحالفات القديمة ونشكل تحالفات جديدة ونوحد العالم المتحضر ضد الإرهاب الإسلامي المتطرف الذي سنزيله تماما من على وجه الأرض”.
وعطفاً على أولويات سياسته الخارجية في هزيمة داعش؛ أصدر ترامب أمراً تنفيذياً في التاسع والعشرين من يناير الماضي أمهل فيه الجيش الأمريكي مهلة 30 يوماً ” لوضع استراتيجية جديدة” لهزيمة التنظيم الذي اعتبره (( شر لم يشهد له مثيل من قبل)). وفي قطيعة مع سياسة الإدارة السابقة التي اعتمدت عدم زج الجيش الأمريكي على الأرض لقتال “الجهاديين” والاعتماد على شركاء محليين وإسنادهم جويّاً على مذهب “الأوباميّة” في التعامل مع كل ملفات المنطقة عن طريق القيادة من الخلف وعدم إشراك أي قوات بريّة للتماشي مع الوعود التي أطلقها إبّان انتخابه كرئيس يدعو للسلام ولا يحبذ دخول بلاده في حروب جديدة بعد تجربة العراق السيئة الصيت.
وكنتيجة لهذه السياسة الجديدة، نشرت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” في السادس من مارس/آذار عدداّ محدوداً من قواتها داخل مدينة منبج السوريّة للفصل ببن الحلفاء المختلفين ( تركيا ممثلةً بقوات درع الفرات وميليشيات سوريا الديمقراطية ممثلةً بوحدات حماية الشعب) وكان هذاا التواجد بمثابة إشارة علانِيَة لتواجد قوات أمريكية على الأرض السوريّة وتحكّمها في المناطق الخارجة حديثاً عن سيطرة تنظيم ‹‹داعش›› وهذا ما شدَّد عليه آنذاك المتحدث باسم القوات الأمريكية جيف ديفيس بقوله: ” إن القوات نشرت هناك كي تكون “إشارة واضحة للردع ولإبقاء التركيز منصبا على قتال تنظيم ‹‹ داعش››، وبالطبع فإنّ المشاركة الواضحة للقوات الخاصة الأمريكية في معركة الرقة هي تطبيقٌ حرفّي للمتغيّرات في سياسة إدارة ترامب تجاه الملف السوريّ وخصوصاً الشِقُّ المتعلّق بمكافحة الإرهاب والقضاء عليه تحت أي ثمن وبدون أي رادع أخلاقي واهتمام بحَيَوات الناس البريئة التي احتلّ التنظيم المتطرّف مناطقها وتحكّم بمصائرها، والمُتتبِّع اليوم لعدد الغارات التي شنّها التحالف على الرقة وريفها في الأيام الماضية يدرك ويدعم الفرضية التي نتحدّثُ عنها ( بحسب إحصائية منظمة Airwars التي تحصي عدد الغارات التي يشنُّها التحالف على سورية والعراق، بلغ عدد الغارات على الرقة في يوم 23 مارس/آذار على مدينة الرقة 22 ضربة جوية على المدينة ثمانية منها في ريف المدينة).
ولم تميّز هذه الغارات في الأيام الأخيرة بين الأهداف العسكرية للتنظيم التي من المفترض أن تكون مُوجّهة لها وبين الأهداف المدنيّة الِصرفة التي تمثلت في استهداف التحالف لمدرسة البادية التي لجأ إليها نازحين من عدّة مناطق سوريّة في ناحية المنصورة بقرب الرقة ونجمَ عن ذلك عدد كبير من الشهداء الأبرياء، وهذا يدلّلُ ويبرهنُ فرضية تغيير قواعد الاشتباك بزيادة عدد الغارات وإشراك الجيش الأمريكي بشكل مباشر على الأرض من جهة، وعدم اكتراثه بحياة المدنيين من جهة أخرى.
وُضِعَ المدنّيين اليوم بين سندان تنظيم ‹‹ داعش›› الإجرامي والغارات الجوية للتحالف الدولي الذي لا يأخذ بالحسبان ـــ أرواح وحياة المدنيين الأبرياء ــ ولا يقيم وزناً لحياة البشر التي امتهن التنظيم المتطرّف كرامتها والدول المتحالفة التي وعدت بتحريرهم وتخليصهم من هذ الشرّ المطلق، لذا فإنّ تحرير الرقة كمعقلٍ مهم للتنظيم داخل سورية ـــ لا يكون بحرقها وتدمير فوق رؤوس ساكنيها الذين دفعوا فواتير باهظة نتيجة تحمّلهم لإجرام التنظيم من جهة، وغارات نظام الأسد المجرم وداعميه من جهة أخرى، بينما جاءت حملة التحالف الدولي الأخيرة لتُكملَ متواليّة الموت اللانهائية.