الرقة تذبح بصمت
تواجه مدينة الرقة في الآونة الأخيرة وبشكل يومي قصفاً ممنهجاً يطال بنيتها التحتية ومرافقها العامة، بهدف شل حركة تتظيم داعش وتقطيع أوصال مناطق سيطرته، وقد بدأت سياسة القصف من قبل التحالف مع بدء عمليّة “غضب الفرات” التي تشنّها قوات الحشد الكرديّ، بهدف السيطرة على ريف الرقة بشكل كامل، بغية محاصرة المدينة، والمتمثّلة بتدمير الجسور الرئيسيّة والفرعيّة للمدينة وضواحيها، والتي تمّ بها عزل الرقٰة عن الضفّة الجنوبيّة لنهر الفرات ممّا اضطرّ الناس للعبور بما يُسمّى”العبّارات”.
وفيما يبدو أنّ التحالف لا يقوم فقط باستهداف قادة داعش وقطع طرق إمدادهم، بل العمل على تفريغ المدينة من سكانها الأصليين وخاصّة بعد أن أصبحت قوات الحشد الكرديٰ على بعد مرمى حجر منها، وذلك من خلال استهداف مباني المدينة، وقال أحد المدنيين القاطنين في الرقة للـ “الرقة تذبح بصمت”:” في الماضي كان يتم استهداف المنزل أو الطابق الذي يقطنه الدواعش، أمّا اليوم فيتم قصف البناء بالكامل بغضّ النظر عن تواجد المدنيين، ممّا يدفع بعضهم إلى ترك بيوتهم في الأبنية التي يقطنونها عناصر التنظيم، مع العلم أنّه لا يوجد مبنى في الرقة يخلو منهم، والذي يعمل بدوره على تقييد حركة المدنيين واتخاذهم كدروع بشريّة”.
إلا أنّ هذه السياسة التي يتبعها طيران التحالف لم تؤثر على عناصر التنظيم بقدر ما أصبحت تؤثر على حركة المدنيين، فبحسب أحد المدنيين: “أنّ التنظيم يعمل على إيجاد طرق يحتكرها فقط لتحركات عناصره وقادته، أمّا السكّان فلا يجدون سبيل غير الخضوع لجشع أصحاب “العبّارات” الذين لايتوانون عن استغلال الظروف للتحكم برفع الأسعار التي طالت كل جوانب الحياة أيضاً، وخاصة الخضار التي تنحدر بشكل يوميّ من الريف إلى المدينة مع العلم أنّ الرقّة لديها ما يسدُّ حاجتها من الخضروات والمواد الغذائيّة كونها منطقة ذات إنتاج زراعيّ في الدرجة الأولى.
ويعتبر جسري الرشيد والمنصور أو ما يُسمّى حسب اللهجة المحليّة بالجسر القديم والجديد أبرز وأطول جسرين في المدينة، ويعود بناء الجسر القديم إلى الحقبة الفرنسيّة، وعليه ترتكز خطوط المياه التي تغذي الجزء الجنوبيّ الشرقيّ للرقة، بالإضافة إلى جسور فرعيّة مثل جسر السلحبيّة ومزرعة الأنصار في الجهة الغربيّة، وكذلك جسر الكالطة والعبارة شمال المدينة، والجسر الحربيّ شرقيّ المدينة.
ومع هذا التدمير الممنهج لجسور الرقّة من الداخل، وعزلها عن حدودها الخارجيّة التي تصل الرقة بالعراق عن طريق الحسكة، وكذلك الحدود التركيّة، لم تعد الرقة همزة وصل كسابق عهدها، لتنفصل اليوم مشكلة أرخبيلا ًبريّاً، منفصلاً عن العالم الخارجي وعن ذاته أيضاً.