الرقة تذبح بصمت
في الثامن من آذار من كلّ عامّ يحتفل العالم بيوم المرأة العالميٰ، إذ لم تغب المرأة الرقيّٰة عن هذا اليوم فهي حاضرة في كلّ يوم، ولطالما كانت المساهم الأوّل في بناء مجتمعها، حتى قيام الثورة في آذار عام 2011، لتكون أولى الأصوات التي تصدح في وجه النظام الفاسد والثورة عليه، ليس ذلك فقط بل كانت المُخلّـص في كثير من الأحيان للشباب الثائر من بين أيدي عناصر حفظ النظام، والمداوية لجروحهم عند الاعتداء عليهم، ولطالما شاركت بأعمالها اليدويّة التي تمثّلّ الثورة من إخاطة للأعلام أو رسم للشعارات، حتى عند قدوم النازحين من أبناء المحافظات الثائرة فقد كانت المشاركة في أعمال الطبخ لاستقبالهم، والمُهدية لكثير من أثاث وفرش بيتها ليكونوا في مأمن من البرد والعراء.
وفي يوم تحرير محافظة الرقة بتاريخ 3/4/2013 كانت أوّل من أطلق زغاريد الفرح والنصر على النظام الباغيّ، واضعةً يدها بيد أبناء الرقة تشاركهم في النهوض بعاصمة التحرير وإظهارها كنموذج لمدن الحريّة، رافضةً في الوقت ذاته إيقاف العمليّة التعليميّة على الرغم من القصف العشوائي الذي كان يطال الرقة آنذاك، فقد كانت السبّاقة والمتطوعة الأولى لإتمام سير التعليم.
ولكن سرعان ما تبدّل كلّ شيء فمع سيطرة تنظيم داعش الذي عمل على إنهاء دورها وإسدال الستار على وجهها، معنّـفاً إيّاها إمٰا بكلامٍ يأبى لحيائها سماعه، أو بجلدها وسجنها في أقفاص أو في منزلها، مضيّقاً عليها في الطرقات والأسواق، مكرهاً إيّاها على عدم مغادرة منزلها وتأمين إحتياجاتها، مستغلا ً القذف بعرضها في حال تمرّدت في بعض الأحيان وثارت لحقٍّ من حقوقها، مصوِّراً حالها في كثير من المآسي، جاعلاً منها الأمٰ الثكلى، أو التي تسرُّ في نفسها السؤال عن ابنها الذي غُيّـب في غيابات سجونهم، والأمّ المودّعة التي سرت بابنها بقطعٍ من اللّيل لتأمن على حياته ملقيةً إيَّاه في تابوتٍ تتقاذفه أمواج اليمّ، خوفاً لئلّا يقع في أيدي التنظيم.
وبذلك يقوم تنظيم داعش بطيَّ عهدٍ طويلٍ على دور المرأة الرقيٰة وفي جميع مجالات الحياة، من خلال التقييد والتضييق على تحرُّكاتها، لتلملم نفسها في كلّ مرّةٍ كانت تعتقد باحترام حقٍّ ينادي دائماً وأبداً: “رفقاً بالقوارير”، ولكنها ستكون ما وُجد الكون إمرأة لن ينساها التاريخ أبداً.