الرقة تذبح بصمت
لمدينة الرقة ٣٦٥ يوماً من الحُبّ، حتى لف قلبها الحزن وغشي وجوه أهلها، كان يوم ١٤ شباط المعروف باسم “عيد الحب” يومً مميز للعشاق والمحبين، إلا أنّه اليوم كغيره من أي مناسبة تحرك الشجن ومشاعر الشوق، فالأم تفكر بابنها المعتقل أو المهجر أو الشهيد، وابنتها تنتظر صلاحية أحد الطرق الوعرة للخروج من المدينة، والأب يتجول في الأسواق وبين المحلات يطلب الرحمة لأسعار اصطلت بنار الغلاء، حتى ذاك التاجر لازال يفكر وينتظر ذاك الصاروخ ليأتي على ما تبقى داخل محله من بضاعة، كل ذلك يحصل أثناء تجول سيارات الحسبة وعناصرها في المدينة بين الأزقة والحارات أو (الدربات) كما يسميها أهل الرقة، لتقوم بتفتيش المارة في الساحات والأسواق وداخل المحلات، باحثين عما يحملونه في أيديهم عسى أن تكون مشترياتهم هدايا باللون الأحمر، متناسين بأنه حتى دم شهداء الرقة خالطه سواد ظلم حكمهم.
هنا في الرقة لا عيد للحب هذه السنة ولا في السنوات الثلاث الماضية، لا حبيب يلتقي محبوبته ولا زوج يهدي زوجته، في يوم الحب هنا، اعتبرت داعش من يقوم بشراء او ارتداء اي شيْ باللون الاحمر كافر ويجب اعتقاله.
“نائلة” الفتاة العشرينية قالت للـ “الرقة تذبح بصمت”: “قصدت السوق لقضاء بعض الحاجيات، وعندما دخلت أحد المحال لشراء قطعة ثياب، وضعت يدي على قطعة لباس حمراء، فقال لي صاحب المحل صارخاً: (من شان الله حطيها من إيدك وشوفيلك غير لون)، فسألته ووجهي يعلوه الذهول: لماذا؟ فأخبرني بأن اليوم هو عيد الحب وتابع قائلاً : “والله سمعت اليوم هالخبر من عناصر الحسبة ولم يخطر ببالي أنّه اليوم وهددوني في حال عرض أو بيع أي قطعة لباس حمراء سيكون عقابي شديداً”.
وتتابع نائلة بالقول :” لا اعلم ماذا يريد التنظيم اكثر من هذا، حتى ابسط الامور تم منعها، في السابق احتفلت مرتين بعيد الحب لم يكن بالنسبة لي بالامر الجلل لكنه يوم مميز للعاشقين”.
هنا في الرقة تسير الناس في الشوارع هائمة على وجوهها، لا تعلم ماذا ينتظرها في فلك الحرب المنتظرة، متعرضين للتفتيش، يبادلون عناصر الحسبة نظرات الذهول والاستغراب بأن اليوم هو يوم “الحب”، فليفتش داعش ويفتش ولكنه لا يعلم ما حُصِّلَ في صدور الرقيين من حب لدرة الفرات، درة مكنونة، تعلم أعين من أغتصبوها، وركدوا ماء فراتها بظلم حقدهم، لا تبحثوا عن الحب في الأكياس الحمراء والأغلفة البراقة، بل ابحثوا عنه في الأرض التي سقيت بالدماء، ابحثوا عنه في القلوب التي تتقلب على جمر فراق فلذاتها المخلدون في الذاكرة.