الرقة تذبح بصمت
بالرغم من اشتعال الجبهات المتعددة من كل صوب، ضد تنظيم داعش إلا أنّه لا يعيرها ذلك الاهتمام، كما تدخله في شؤون المدنيين في الرقة، الذين كلما انحصرت المساحة التي يحتلها التنظيم، زادت معاناتهم، إذ لا يفتأ ينهال عليهم بالغضب والعقاب، مفترياً أنهم بفسوقهم وعدم إتباعهم لشرع الله، يُكبد التنظيم تلك الخسائر التي تتوالى عليه بشكل يومي.
فلا يوجد لأهل الرقة إلا خيارين أحلاهما أشد مرارة من الآخر، لكن مجبر أخاك لا بطل، فالخيار الأول: أنّهم يفضلون البقاء بين براثن التنظيم الإرهابي وتحملهم لما يقوم به من مظالم بحقهم، على اعتبار أنّ القادم من المليشيات المهاجمة حالياً والمتمثلة بوحدات الحماية الكردية، لن تكون أكثر رحمة من داعش.
أما الخيار الثاني: فهو النزوح والوقوع فرائساً بين أنياب قوات الحشد الكردي، المدعوم من قبل قوات التحالف الدولي، وما ستفعله بهم من عمليات قتل ونهب وتهجير في حال تمت السيطرة على الرقة من قبلهم.
ومع توجه ميل أهل الرقة نحو الخيار الأول، بيد أنّ التنظيم لا يزال يعاملهم بنفس العنجهية ويزيدها كلما تعرض لخسارة جديدة، فلا العين تقوى على المخرز، ولا المخرز يُكسر إلا بفقأ العين، أيهم شاب من الرقة تحدث للـ “الرقة تذبح بصمت”وقال : “بينما كنت أغلق باب محلي ذاهباً إلى صلاة المغرب، إذ بسيارة الحسبة تقف أمامي مترجلاً منها أحد أفرادها، وبدأ بالصراخ علي لعدم ذهابي إلى الصلاة، فقلت له: (اتق الله يا شيخ) ألا تراني بأني أغلق باب المحل”، فالتنظيم يجبر الناس على إغلاق محالهم التجارية وترك كل شيء اثناء اوقات الصلاة.
ويتابع أيهم بالقول: “لم أنه كلامي بالكاد حتى انتفض علي وعلا صراخه أكثر أنت تقول لي (إتق الله) ثم لم استطع الرد عليه خوفاً من أنّ ينسب لي تهمة كفر أو سب أو شتم، ولكن تدخل بعض أفراد التنظيم والذي أخبرني أحدهم بأنه ممسوس ولا يعتب عليه، وهي الكلمة التي يدافع بها التنظيم عن أفراده في حال كانوا على خطأ”.
ولا يغيب عن أحد تدخل التنظيم في شؤون نساء الرقة، والذي أصبح روتيناً يومياً ومتعارف عليه، من خلال تدخلاته في لباسهن ودخولهن وخروجهن من بيوتهن وتضييق الخناق عليهن حتى أصبحن يفضلن الجلوس في البيت على عدم الخروج خوفاً من أي تصادم مع عناصر الحسبة.
فيما عمل التنظيم في الأشهر القليلة الماضية، على عزل الرقة إعلامياً من خلال سحبه لجميع أجهزة التلفاز والاستقبال، وكذلك إغلاقه لمحلات الإنترنت والتي أصبحت حكراً على عناصر التنظيم، وكذلك الإعدامات في ساحات المدينة والتي يقوم بها بشكل يومي، وسيطرته على البيوت الخالية من أهلها، بحجة هروب أصحابها نحو بلاد “الكفر” بحسب تعبيره، إلا أنّه بحاجة للمزيد من المنازل لإسكان عناصره الفارين من جبهات حلب وريف الرقة والموصل.
تجاوزات، وهي بعض من كل، يتبعها التنظيم ضد مدنيي الرقة والذين أصبحوا الشغل الشاغل له، عن جبهات القتال التي يتراجع عنها بشكل يومي، أسبابٌ دفعت أهل الرقة إلى الخروج من المدينة والتي شدد عليها التنظيم أيضاً متخذاً من المدنيين دروعاً بشرية ضد طائرات التحالف التي تقصف الرقة بشكل يومي.