الرقة تذبح بصمت
شاركت المرأة السورية مع انطلاقة الربيع العربي في التظاهرات العشبية ضد نظام الأسد القمعي، مطالبةً بالحرية والحقوق العامة والعدالة للمجتمع السوري، كما وساهمت خلال الأعوام الماضية في معظم الفعاليات الثورية، المدنية منها والسياسية والإعلامية والإغاثية، وكنتيجة لذلك تعرضت للعنف الممنهج من قبل عصابات الأسد، فوقعت ضحية الاعتقال والقتل والعنف من قبل رجال الأمن.
وشملت انتهاكات الأسد ضد المرأة، تعرضها للعنف الجسدي والنفسي والجنسي كسياسة عقاب خاصة، بغية تخويفها من المشاركة في الثورة.
وكجزء من المجتمع السوري، تعيش المرأة السورية واقعاً أليماً، نتيجة الارتدادات السلبية للحرب، فهي ضحيتها الأولى كفرد وجزء من عائلة، لتصبح السوريات “نساء بلا حقوق”، إذ لم يتمتعن بحقوقهن كجزء من الحرب المعززة للاضطهاد ضدهن، لتقع المرأة ضحية العنف العام وغياب القانون وتمزق الأسرة والمجتمع، “كل شئ بات أسود” تقول جيهان وهي تصف حال المرأة السورية بالعموم، وفي عينيها دمعة من الأسى على الحال الذي يلف حياتهن نتيجة الوضع العام في البلاد.
ومع حضور الجماعات المتطرفة الدينية منها كداعش والنصرة أو العرقية كحزب الإتحاد الديمقراطي الكردي، وقعت المرأة السورية في اضطهاد من نوع أخر، رغم أن هذه المناطق لا تقع تحت سطوة الأسد، فراحت هذه الجماعات تؤسس لاستبدادها وتضع القوانين التي تعمل من خلالها على اضطهاد الناس، حيث شملت القوانين التضيق على حياة النساء في مناطق التي تسيطر عليها، وأما في مناطق السيطرة الكردية فعملت مليشيا وحدات حماية الشعب الكردية على تجنيد النساء اجبارياً، كما تعرضت النساء في مخيمات اللجوء للاستغلال بكل أشكاله من قبل تجار الحروب والأزمات.
هذا ومنذ سيطرة تنظيم داعش على الرقة، تحولت حياة الرقاويات لجحيم متواصل، فلم يفرق التنظيم في معاملته بين النساء والرجال والأطفال، فارضاً قوانينه المجحفة محولاً حياتهن إلى خراب دائم، مجبراً إياهن على التزام المنازل، فارضاً اللباس الأسود، كما منعهن من العمل والتعليم، كما استغل التنظيم النساء من خلال تزويجهن بالقوة أو مستخدماً سوء ظروفهن المادية، خلود فتاة من دير الزور قال لحملة “الرقة تذبح بصمت”: “حياتنا في ظل سيطرة داعش خوفً متواصل، فنحن ممنوعات من الخروج والكلام والتسوق و كأننا معتقلات في سجن كبير”.
كما أنّ هذا الظلم لا يقع على النساء في مناطق داعش فقط، فحتى في مناطق الحسكة و التي تسيطر عليها مليشيات النظام و ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية، تكون النساء السوريات ضحية الظلم، فدائماً ما تحصل هناك حالات اختطاف للنساء القاصرات أو يتم إجبارهن على التجنيد للقتال في صفوف هذه المليشيات، ومؤخراً شكل النظام مليشيات سماها “خنساوات سوريا”، وهو ذاته الاسم الذي استخدمه تنظيم داعش في الرقة و ديرالزور “كتيبة الخنساء”، و هذا يدل على أن هذه المليشيات تعمل على استغلال المرأة خصوصا أنّ العائلة السورية غير قادرة على حماية أولادها من هذا الاضطهاد الممنهج.
ولم يكن الحل أمام عائلات تلك النسوة، سوى الهجرة إلى خارج سوريا كي يحموا بناتهم من سوء المعاملة وهرباً من عمليات التجنيد والتزويج القسرية.
لكن و رغم الهرب من سوريا إلا أن واقع النساء السوريات بقي سيء جداً، فالتحرش بالسوريات ظاهرة جديدة كشفت عنها تقارير حقوقية في بعض الدول التي نزح إليها السوريون، حيث تناولت هيومن رايتس و تش في تقاريرها موضوع التحرش الجنسي الذي تعرضت له السوريات في لبنانن و مصر، كما وكشفت تقارير إعلامية عن شبكات دعارة تستغل معاناة السوريات في لبنان و أخرى عن حالات زواج مزيفة في الأردن، ليبدوا أن المرأة السورية لم تستطيع حماية نفسها خارج حدود الحرب و حتى في الدول الأوربية، تعيش المرأة السورية معاناة خاصة بسبب قساوة المنفى إلى جانب مشكلات التفتت العائلي الحاصلة نتيجة الهجرة، و بهذا يصبح العنوان الأمثل لحالة المرأة السورية خلال الأزمة السورية بأنهن “نساء بلا حقوق”، خصوصاً مع غياب القوانين في الداخل أو الخارج السوري التي تمكن المرآة من نيل حقوقها بشكل كامل.