بعد أن استطاع تنظيم داعش و بشكل سريع للغاية من الاستحواذ مجددا على مدينة تدمر وسط سوريا، حيث لم تدم المعركة هناك إلا أيام معدودة انتهت بانسحاب القوات الروسية و قوات النظام من تدمر، حتى افتتح التنظيم معركة أخرى في دير الزور توصف “بالمباغتة”.
فمنذ قرابة الأسبوعين بدء تنظيم داعش هجوماً مركزاً استهدف فيه تجمعات النظام في معاقله بدير الزور و تمكن التنظيم من التقدم في بعض المواقع العسكرية على حساب قوات الأسد و الميليشيات الداعمة له، و تأتي هذه التطورات بعد أن شعر التنظيم بضرورة توسيع مناطق نفوذه خصوصاً بعد تطورات معركة الباب شمال سوريا و الضغط الذي يتعرض له في مدينة الموصل العراقية.
ويطوق تنظيم داعش منذ أكثر من عامين مدينة دير الزور, حيث يفرض حصارا خانقا على أحياء الجورة و القصور، و هي الأحياء الرئيسية المتبقية للنظام، و توصف المعارك التي يخوضها التنظيم ضد قوات الأسد الأن بأنها الأعنف و بأن التنظيم عازم على تحرير دير الزور بشكل كامل بحسب القوات العسكرية التي استخدمها في المعركة، و تأتي هذه الترجيحات من كون أن التنظيم لم يتعامل بجدية منذ سيطرته على دير الزور من أجل تحريريها بشكل كامل رغم كل المقومات العسكرية التي يمتلكها.
واستطاع التنظيم عزل مطار دير الزور العسكري و حي هرابش الخاضعة لقوات الأسد عن مناطق النظام في حي الجورة و القصور و استطاع التقدم داخل حي العمال في المدينة، و يعتبر عزل مطار دير الزور العسكري تطورا لافت في المعارك، حيث استطاع التنظيم قطع طريق الإمداد و المعروف ” بمنطقة المقابر ” بين المطار العسكري و الأحياء التي يسيطر عليها النظام في الطرف الغربي من المدينة، و بالتالي تمكن التنظيم من عزل القسم الغربي عن القسم الشرقي للمدينة، رغم محاولات النظام استعادة السيطرة على طريق الإمداد لكن محاولاته باءت بالفشل.
تعتبر الأحياء المحاصرة و هي الجورة و القصور في القسم الغربي من المدينة مركز ثقل النظام حيث يدير عملياته العسكرية من خلال قواعده الأمنية المتواجدة فيها، بجانب مطار دير الزور العسكري الذي يشكل للنظام قاعدة عسكرية مهمة و طريق إمداده الوحيد إلى دير الزور، مع ذلك فإن هذه الأحياء أيضا يقطنها ما يقارب ال 100 ألف نسمة من أهالي دير الزور و الذين يعيشون منذ عدة أعوام حصارا خانقا أولا: بسبب منع التنظيم دخول المواد الغذائية للمدينة عن طريق معابرها من خلال الأرياف و ثانيا : بسبب سلوك النظام القمعي و الذي يعمد على استغلال معاناة الأهالي في هذه الأحياء، وبالتالي يعيش المدنيين أحوالا و ظروفا إنسانية صعبة للغاية بسبب ممارسات كلا الطرفين اللذان يعملان على منع هؤلاء المدنيين من النزوح بإغلاق الطرق المؤدية إلى خارجها و تطبيق حصارهم للحصول على منافع مادية و عسكرية.
ومع بدء المعارك بين النظام و التنظيم قامت قوات النظام و ميليشياته بحملة اعتقالات طالت الذكور في محاولات جديدة لتجنيدهم قسرا وزجهم في معاركه ضد التنظيم أو للقيام بأعمال الحفر على خطوط التماس العسكرية، بالمقابل فإن كلاً من طيران النظام و الطيران الروسي شن غارات جوية أودت بحياة عشرات المدنيين.
ورد التنظيم بقصف الأحياء المحاصرة مما أدى إلى سقوط ضحايا مدنيين أيضا، حيث يعتبر المدنيين هم الخاسر الأكبر بعد وخلال هذه العمليات العسكرية مع تخوفات كبيرة لدا الأهالي المحاصرين من حملات إعدام انتقامية سينفذها التنظيم فيما لو استطاع السيطرة على هذه الأحياء، لأن التنظيم يعتبرها مناطق كفر و بأن الأهالي هناك جزءا من قوات النظام، ولا يعمل على التفريق بين المدنيين و ميليشيات النظام المسيطرة على هذه الأحياء.
يحاول التنظيم تحقيق انتصار جديد وتوسيع جغرافية مناطق نفوذه خصوصا الحواضر المدنية و ذلك لتحصين مواقعه العسكرية و تعزيز موارده البشرية، فالمناطق التي يسيطر عليها النظام خالية من النفط، لذلك حاول التنظيم مرارا تأجيل هذه المعركة، لكن استراتيجيته بدأت بالتغير خوفا من تداعيات معارك الباب و الموصل مما سيقلل مساحة رقعته الجغرافية، و بالتالي يحتاج لمدن أخرى كي يعسكر فيها، خاصة مع قدوم عائلات و مقاتلين تابعين له من العراق، و يكمن السؤال الأهم حول قابلية النظام للتخلي عن دير الزور كما فعل في تدمر.