الموقع الجغرافي، له اهمية كبيرة حين تتوسط العاصمة الدولة، حيث تكون مؤمنة عسكريا من أي حرب محتملة بالإضافة لسهولة التنقل والمواصلات مايجعلها عقدة إتصال بين المدن كما في باريس وأنقرة والخرطوم.
إذا لماذا الرقة؟ هل تتمتع باية صفة من ماسبق أعلاه لتكون عاصمة الدولة المزعومة!! هل لها رمزية دينية تحتم على أصحاب القرار أن يتخذوا منها عاصمة لهم؟ الم تكن مدينة الموصل أجدر بان تكون مركزا للقرار كونها الأكبر! أو الفلوجة ذات التاريخ الطويل في الصراع مع الامريكان ومعقل الزرقاوي المؤسس الأول لداعش؟ هل تمتلك الرقة طبيعة جغرافية وتضاريس وعرة تميزها عن غيرها لتقاوم العدو المفترض “امريكا”؟ لماذا الرقة؟ هل لانها كانت مركز تمدد وانطلاقا للسيطرة على هذه المساحات الشاسعة ؟.
أسئلة كثيرة لايمكن الإجابة عليها الا حين نقرأ النشأة المشبوهة لهذه الدولة الخرافية، بداية بـ “صفقة التبادل” التي أجرتها حركة احرار الشام عندما إنسحبت من الرقة الى إدلب وريف حلب وفتحت الطرقات لأرتال داعش لتحل مكانها، بالإضافة لسحب الأسلحة الثقيلة من بوابة تل ابيض “الاكبر في سوريا” قبل اندلاع المعركة، وعقد إتفاقيات مهادنة وتبادل اسرى، هذا في ما يخص حركة احرار الشام فقط، أما في – الجانب الاخر- قوات النظام التي سلمت قيادة الفرقة “17” واللواء “93” و مطار الطبقة العسكري في غضون شهرين، والتسليم هذا كان حين ترك النظام عناصره في هذه المناطق دون دعم لوجيستي أو عسكري من الجو الذي كان يقدمه طيلة عام كامل حين كان الجيش الحر يحاصر هذه المناطق.
ذلك كله إذا ماتحدثنا عن التفاصيل الآخرى التي كان من شأنها ان يقضى الامر هكذا في البوابة الحدودية التي كان يدخل منها الاف المقاتلين برعاية دولية تقوم بها تركيا ودول اخرى كشفت نفسها عن طريق عملاء محليين كانوا يقدمون تسهيلات “للمهاجرين” في تركيا من ساعة الوصول وحتى دخول اراضي “الخلافة المزعومة”.
هنا تكمن اهمية الرقة، المقاتلون اجانب ولايمكن السيطرة عليهم في مجتمع قبلي يؤثر فيه كبار القوم وأعيانهم، ولايوجد مقاتلون محليون يدافعون عن المدينة بعد إنضمامهم جميعاً الى الجيش الحر وهم النسبة الاقل بين شريحة الثوار في المدينة التي ينتسب كافتهم الى تجمعات ومؤسسات مدنية تحمل الفكر الوسطي بعيداً عن تعقيدات المنهج وأحلام الخلافة والإمارة، إذاً مدينة تخلوا من رأس حربتها التي قد تدافع عنها، وهذا الأمر الذي لم يتوفر في أي مدينة سورية آخرى، إذا ما استثنينا مدن العراق التي تعب أهلها و تدمرت فيها البنية التحتية والموارد الطبيعية نتيجة الحروب الطويلة التي عاشتها البلاد وهذا على عكس الرقة التي تعد من أغنى المدن في المنطقة، هذا كله عدا الموقع الاستراتيجي للرقة وقربها مع الحدود التركية والتي تحدثنا عنها سابقا.
وفي الحديث عن الاسباب القريبة والبعيدة، يجب القول ان القضاء على الثورة السورية هو من الاسباب القريبة نتيجة تسارع الاحداث وخشية على النظام الذي كان يترنح وعلى وشك السقوط بين ليلة وضحاها ويجب انقاذه باي طريقة ودعمه بشكل مباشر بعد شيطنة الثورة، ثم تأتي الاسباب البعيدة واللاحقة التي تتلجى في حرق السنة بالمنطقة كلها، ولابد من أن يكون رأس الارهاب ملتصقاً في الثورة السورية وينطلق من أحد معاقلها وكانت الرقة المحررة بالكامل افضل أرض لتنفيذ هذا المشروع.
عملية إحراق السنة بحجة داعش بدأت قبل خمسة عشر عام حين أُسست “الدولة الاسلامية في العراق” وبشكل بطيئ لكن القيادات السنية هناك أوقفت هذا المشروع وأنشأت صحواتها ونظامها الداخلي وأمنها وشرطتها لمنع أي ثغرة لهذه المؤامرة وهذا الأمر الذي يتسوجب جلب مقاتلين اجانب لا يحكمهم شيخ او كبير وهو ماحدث في الرقة من جديد للقضاء على الثورة اولاً وللحرق السني ثانياً.
قد تبدلت بعض التفاصيل الصغيرة في سوريا والعراق عن المشروع الاول وأنطلق عنصر جديد يمكن له المشاركة في هذه المحرقة وهي الميليشيات الكردية التي ستحل مكان داعش وتمنع “السنة” من قيادة المجتمع وإدارة نفسها ومحاولة تحييدهم في سوريا وهو الدور الذي تقوم به الميليشات الشيعية في العراق.
إذاً هذه العاصمة وهكذا أُسست رغماً عنها وتم إغتصابها ودفعها للمقدمة لتكون رأس المحرقة وبدايتها حتى النهاية التي نجهلها حتى الان لكنها لن تكون بشكل جيد وعلى آمد طويل اكثر من الذي مر وأسوء لاقدر الله.