الرقة تذبح بصمت
أيام قليلة ويكمل تنظيم داعش احتلاله للعام الثالث على التوالي لمدينة الرقة السورية، وذلك عقب معارك مع فصائل الجيش الحر والفصائل الإسلامية، انتزع فيها التنظيم يد كل القوى الأخرى، معلناً خلافته المزعومة وعاصمتها الرقة.
لماذا الرقة؟
كانت الرقة أول المحافظات السورية المحررة والخارجة عن سيطرة نظام الأسد بالكامل، حيث حررت المدينة من عصابات الأسد في آذار من عام ٢٠١٣، لتكون اول تجربة حقيقية لإدارة مدينة من قبل الثوار، إلا أنّ تنظيم داعش عمد إلى مد نفوذه في المحافظة، ناشراً الرعب بين مدنييها، كما تعرض الكثير من ناشطي المدينة والريف للخطف على يد عصابات التنظيم الأمنية، ليبدأ بعدها حملته بكسر كل بندقية ليست تحت رايته، حتى كان إعلان سيطرته على المدينة في الربع الأول من عام ٢٠١٤.
حيث وجد التنظيم في الرقة غايته الأساسية، لأمتلاكها البنية التحتية المتماسكة، والتي لم تشهد دماراً كبيراً، كونها لم تتعرض للقصف الشديد من قبل نظام الأسد مقارنة بغيرها من المدن السورية، كما كان لوجود العديد من المشاريع والخيرات في المحافظة والتي تجعل منها أحدىى المحافظات التي توصف بالإكتفاء الذاتي كسد الفرات وهو أكبر السدود السورية والمصدر الأساسي للطاقة الكهربائية لعديد من المدن السورية، إضافة لكونه المنظم الرئيس لعملية الزراعة القائمة في الرقة والتي تشكل السلة الغذائية لمناطق سورية عدة، كما تحتوي الرقة على مصادر نفطية وتعد عقدة وصل لمرور أنابيب نقل النفط بين الحقول والمصافي.
في سياق متصل، تعد الرقة جغرافياً عقدة وصل بين عدد المحافظات الشرقية السورية، كما تمتلك حدوداً واسعة مع تركيا والتي تعد مصدراً رئيساً لرفد الأسواق الخارجة عن سيطرة النظام السوري بمختلف أنواع السلع والمواد الغذائية.
الحياة في الرقة خلال الأعوام الثلاث
ديمغرافياً :
عقب سيطرة تنظيم داعش على الرقة، شهدت المدينة حركة نزوح كبيرة للمدنيين هرباً من بطش التنظيم، وخوفاً مما هو قادم عقب تصريحات القوى الدولية ضد التنظيم الإرهابي، وكانت تركيا هي الوجهة الأولى لغالبية النازحيين في البداية، وما إن قطع النظام رواتب العاملين في القطاع الحكومي والمتواجدين خارج مناطق سيطرته، حتى نزح عدد من المدنيين نحو مناطق سيطرة النظام السوري في حماة واللاذقية وطرطوس خصوصاً.
كما كان للقصف الجوي الشديد الذي تعرضت له المدينة من قبل طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية دورً كبير في نزوح المدنيين باتجاه الريف والمناطق الأخرى.
هذا وقد اظهرت الإحصائيات السكانية الصادرة في عام 2008، أن تعداد مدني الرقة يقرب من 900 ألف نسمة، يشكل العرب أكثر من 85٪ منهم، إلا أنّه وبعد بداية المعارك في الريف الشمالي للمحافظة بين مليشيات وحدات حماية الشعب الكردية وتنظيم داعش، عمد الـ YPG إلى تهجير عدد كبير من القاطنيين العرب بغية إحداث تغير ديمغرافي في المنطقة لخدمة مشروعهم الإنفصالي بإعلان دولة كردية مستقلة.
اقتصادياً :
تعد الزراعة المصدر الأول والأساسي للمعيشة في الرقة، إلا أنّ قطاع الزراعة وتربية المواشي شهد تراجعاً ملحوظاً في السنوات الخمس الأخيرة نتيجة ظروف الحرب في البلاد والتغير المناخي الحاصل وشح الأمطار، وبعد سيطرة تنظيم داعش على المحافظة تراجع القطاع الزراعي والحيواني بشكل أكبر، وذلك عقب فرض التنظيم للضرائب على المزارعيين تحت مسمى (الزكاة)، وارتفاع أسعار المواد الأولية من بذور وسماد، مما أدى إلى ارتفاع في أسعار المحاصيل واللحوم، وكان لارتفاع أسعار النفط الذي يدخل في تشغيل محركات الماء (موتورات) وشحن الأرزاق دوراً هاماً في تراجع الزراعة في المحافظة، ناهيك عن المضايقات بحق العاملين والعاملات من حيث التدخل باللباس وعدم الاختلاط.
كما أدى الانهيار السريع لسعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار دوراً في ارتفاع أسعار المنتجات بشكل عام والتي يتم استيراد معظمها من تركيا، الأمر الذي أدى لتراجع المعيشة للعائلات في الرقة والتي يقبع أكثر من ٧٠٪ منها تحت خط الفقر، حسب تقرير للأمم المتحدة، كل ذلك أدى إلى تردي الوضع المعيشي الذي عمد التنظيم على استغلاله بدفعه أجور عالية لمنتسبيه ليحث المدنيين على الانخراط في صفوفه.
معيشياً:
ألزم التنظيم المدنيين منذ أيام سيطرته الأولى، بعدة قرارات تمس حياتهم الشخصية، كفرض اللباس على النساء والتحكم بلباس الرجال ومظهرهم “رفع الإزار وإطلاق اللحى”، كما عمل على إغلاق المقاهي وسحب أجهزة التلفاز والاستقبال الفضائي من المنازل، وإغلاق محلات الإنترنت والتي أصبحت حكراً له، ومنع النساء من السفر دون محرم، أما اليوم فهو يفرض على الرجال دورة شرعية قبل مغادرتهم المدينة بداعي السفر المؤقت مع رهن جميع ما يملكون ليتم الاستيلاء عليها في حال عدم عودتهم، كل ذلك بهدف جعل المدنيين دروعاً بشرية يحتمي بها من القصف.
خدمياً:
لعل الخدمات الأبرز تتمثل في الماء والكهرباء والهاتف التي راح التنظيم يتحكم بها، فاليوم المدينة التي يمر بها نهر الفرات تفتقد إلى المياه العقيمة وذلك لعدم توفر مادة الكلور والتي أصبحت لاتتوفر سوى 3او4 أيام في الأسبوع كحد أقصى، وكذلك حال الكهرباء التي تتوفر اليوم على شكل (أمبيرات) من خلال اشتراك أسبوعي، والتي لا تعمل إلا بموجب الضرائب التي يحصلها التنظيم من المدنيين، ناهيك عن القصف الذي تتعرض له تلك الخدمات من قبل الطيران السوري والروسي، كما وأصدر التنظيم قراراً بمنع المنظمات الإنسانية والخدمية من العمل في الرقة والتي كانت قد أخذت على عاتقها توفير الخدمات التي لم يجد لها التنظيم بديلاً.