الرقة تذبح بصمت
باتت ظاهرة الذئاب المنفردة التحدى الأكبر للأجهزة الأمنية بعد أن نجحت فى شن عدة هجمات إرهابية كبرى فى فرنسا والمانيا وبلجيكا وتركيا و تونس وغيرها من الهجمات، وما يمثل الهاجس الأكبر هو عدم ارتباط تلك الذئاب بتنظيمات إرهابية بشكل واضح، وإن كانت تتبنى نفس الفكر الإرهابي ونفس آليات التنظيمات المتطرفة فى هجماتها وبخاصة تنظيم «داعش» ومن قبله «القاعدة».
ومصطلح «الذئاب المنفردة» ليس جديداً على الجماعات المسلحة، حيث تنسب إليها استخبارات أجنبية القيام بعمليات «إرهابية» فى دول متفرقة، اقتناعاً بفكر «القاعدة» قبل أعوام وتنظيم «داعش» حالياً، كان منها هجمات على مساجد فى السعودية والكويت. المصطلح يشير إلى تكتيك تستخدمه الجماعات المسلحة حين تشتد الرقابة عليها، نظراً لقوة الدول ويقظة أجهزتها الأمنية، فيصعب عليها العمل بطريقة جماعية منظمة. فيما تزيد هذه الحالة من مخاوف الأوروبيين والأمريكيين من تشجيع المتطرفين الإسلاميين على القيام بمثل هذه الأعمال المنفردة بدلا من العمل بشكل جماعي لتنفيذ هجوم ما.
ليس للهجوم أي هدف نوعي سوى قتل أكبر عدد من الناس عشوائياً سواء مدنيين أو عسكريين بهدف إشاعة الخوف في المناطق المستهدفة، حيث يمكن أن يكون الهجوم في الشارع أو جامعة أو ملعب أو مركز تسوق أو حتى في مسجد ويمكن أن يكون الهجوم بسلاح أبيض أو حزام ناسف كما في الهجوم على “مسجد الطورائ” في السعودية والذين كانوا يقاتلون الحوثيين في اليمن !!.
ويسعى «داعش» إلى تعميم ظاهرة «الذئاب المنفردة»، ويهدف من ذلك إلى تخفيف الضغوط عليه فى معاقله في العراق وسوريا، فقرر نقل المعركة إلى أرض “أعدائه”، خاصة بعد خسارته لجميع حدوده مع تركيا وصعوبة وصول أي عناصر أجنبية إلى مناطق سيطرته.
يتحول الذئب المنفرد من حالة “الخلية النائمة ” إلى الحالة الهجومية فى أي لحظة، خاصة عند الشعور بالخطر أو أن أمره قد كُشف، بشكل يجعل من المستحيل تعقبه قبل أن يقرر القيام بعمل إرهابي، كما حدث فى هجوم باريس وهجوم بلجيكا، ويمكن تشبيه تلك الحرب بأنها أشبه ما تكون بحرب «العصابات» من خلال نشر “فكرة” ينفذها شخص أو مجموعة أشخاص ليس بالضرورة أن يكونوا مرتبطين عضوياُ بالتنظيم فقد يكونون متعاطفين.
ومع تبنى «داعش» هجومي تكساس وكاليفورنيا اعتبر وزير الدفاع الأمريكى آشتون كارتر الهجوم «مستلهماً» من تنظيم «داعش» وليس موجهاً من التنظيم، بناءً على نتائج التحقيقات. وهو ما يتوافق مع فكرة الذئاب المنفردة، فيما شكل هجوم كاليفورنيا والذي ذهب ضحيته ١٤ شخصاً ونحو ٢٠ مصابا، ونفذه سيد فاروق مع زوجته الباكستانية تاشفين مالك والتي بايعت أبوبكر البغدادى زعيم «داعش»، وأعلن التنظيم أن المنفذين موالون له.
ويندرج هجوم متحف بارودو التونسي الذى راح ضحيته ١٨٨ شخصا تحت مصطلح الذئاب المنفردة الذى تبناه «داعش» ومن بعده الهجوم على السياح فى ساحل سوسة التونسي والذي ذهب ضحيته ٣٨ سائحا غالبيتهم بريطانيون، كما يندرج تحت تلك الظاهرة هجوم سيدني الذى نفذه المهاجر الإيراني مان هارون مونيس، الذى احتجز عشرات الرهائن في مقهى بسيدني فى ديسمبر 2015، وكان يعاني من اضطرابات نفسية.
إلا أن أخطر هجوم لما يعرف بـ«الذئاب المنفردة» يتمثل فى هجمات باريس التى طالت مسرح باتكلان واستاد فرنسا الدولى ومواقع أخرى، وأسفرت عن مقتل ١٢٩ شخصا وإصابة العشرات، وبينما تبنى «داعش» الهجمات، إلا أن منفذيها شكلوا تطورا محوريا فى هجمات الذئاب المنفردة من حيث الأسلحة المستخدمة وما كان بحوزتهم من أسلحة فى منازلهم وطريق اختيار الأهداف الأكثر اكتظاظا بالسكان، ونفذ الهجمات شبكة من ٨ أفراد بينهم انتحارية زوجة أحدهم، وقادهم عمر إسماعيل مصطفاوي (٢٩ عاما) تم التعرف إلى هويته من بصمات أصبعه المبتور، وهو فرنسىي صاحب سوابق، وإبراهيم عبد السلام أباعود العقل المدبر للهجمات وهو بلجيكي من أصل مغربي قتلته الشرطة الفرنسية فى مداهمة بعد الهجمات.
ويعتبر أول من نظر إلى فكرة «الذئاب المنفردة» فى أوساط الجماعات المتطرفة هو أبو مصعب السورى الشهير بـ«مصطفى الست مريم»، فى كتابه الضخم «دعوة المقاومة الإسلامية العالمية» عام ٢٠٠٤ فى إطار ما سماه «الجهادي الفردي»، وتوعد «داعش» عبر مقطع من إصدارات ما يسمى مؤسسة «دابق» الإعلامية بعنوان «الذئاب المنفردة جيش الدولة الإسلامية»، ما أطلق عليهم «عباد الصليب» بمواجهة حرب جديدة تنسف كل مخططاتهم وتكشف حقيقتهم وتحول بينهم وبين ما يريدونه بالدولة الإسلامية.
كما أصدر تنظيم داعش فيديو “إرشادي” لكيفية صناعة قنبلة محلية بواسطة مواد يمكن تحضيرها في المنزل ، لا بل أرشدهم إلى الطريقة القاتلة لاستخدام سكين المطبخ بتنفيذ هجمات حيث نفذ التنظيم “درساً عملياً” ، بذبح عدد من الأشخاص ممن وصفهم “بالعملاء” مشيراً إلى المناطق القاتلة التي يجب أن يستهدفها المهاجم.
ولجأ البعض إلى حالات الدهس المتعمد حيث أنها لا تحتاج إلى أي سلاح مما يصعب على الأجهزة في أي دولة في العالم توقع أو التنبه لمثل هكذا هج