دمشق بلا ماء
يستمر انقطاع مياه الشرب عن مدينة دمشق لليوم السابع على التوالي، نتيجة الأضرار التي أصابت عين الفيجة، وعين حاروش، عقب استهداف النظام السوري لمنطقة وادي برى بعدد كبير من البراميل المتفجرة، حيث تدلل عمليات النظام العسكرية في المنطقة، وما رافقه من قصف عنيف بالطيران الحربي والمروحي على همجية النظام السوري، والعقلية الإجرامية، واستعداد النظام لحرق البلد من أجل السيطرة على سورية، ولا يكترث النظام في سبيل ذلك بكل أطياف الشعب السوري موالين ومعارضين، فدمشق كلها تعاني الظمأ في فصل الشتاء، وتحرم مما يبل ريقها!
هذا ولا ينتهي إجرام النظام هنا إذ يدمر البلد ويحرقها ليتهم المعارضة كذباً وزوراً جهاراً نهاراً بالأعمال الإرهابية التي قام بها. وليس أدل على ذلك من إصدار مجلس وزراء النظام قراراً خلال جلسته الأسبوعية، باستخدام جميع الموارد المتاحة والآبار الاحتياطية لتقليص نقص المياه الحاصل في دمشق جراء خروج نبع عين الفيجة وعين حاروش عن الخدمة، نتيجة التعديات الإرهابية، وتناسى المجلس الموقر أن التعديات الإرهابية صنع كبيرهم الذي علمهم السحر، حيث تختصر حادثة وادي بردى ما حصل ويحصل في كل سورية، ولا يفتأ نظام العهر بتصوير هذا الدمار لإيصال رسالة مفادها: “من يخرج من حظيرة العبودية سيكون هذا مصيره”.
انتقام الحاقدين
قوات النظام وشبيحته يواصلون عمليات التصفية والاعتقال بحق أهالي حلب الشرقية، فقد تواردت الأخبار عن قيام قطعان وعصابات الشبيحة بعمليات تصفية بحق عدد من العائلات في حلب الشرقية، وتحمل معظمها صفة الحقد والانتقام، إذ طالت عمليات التصفية عائلات عرفت بتأييدها للثورة ودعمها لها، أو انتساب أحد أفرادها لصفوف الثوار.
وتثبت هذه الحوادث تحول سورية لدولة مافيات، فكل عصابة أو مجموعة تتحكم في حي معين، وتتصرف على أنها الخصم والقاضي معاً، ومن الملاحظ غياب عصابات مخابرات النظام السوري نهائياً في الأحياء المُسيطر عليها مؤخراً إلا في نقطة الاعتقال حيث تنشط عمليات الاعتقال والتهمة التعامل مع العصابات الإرهابية.
ما يحدث في حلب الشرقية صورة سوداوية للحال التي ستكون عليها البلاد، لو بقي نظام الأسد حاكماً متسلطاً على رقاب السوريين، فلم يترك النظام الأحمق انطباعاً واحداً، ولم يقدم مؤشراً واحداً يدعو الشعب للتفاؤل بالمستقبل.
انشقاقات بنكهة قناة الدنيا
أعلن قادة من لواء ثوار الرقة انشقاقهم وانضمامهم إلى لواء صقور الرقة التابع لمليشيا قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، حيث تكشف ملابسات الانشقاق حقيقة القوات الكرية ونواياها، فالانشقاقات تمت بالإكراه بعد مهاجمة القوات الكردية مقرات اللواء، واعتقالها لهؤلاء القادة إثر خلافات قديمة جديدة تتعلق بإدارة المناطق التي تم طرد داعش منها، وبمعركة الرقة.
وقد كان حبل الكذب قصيراً جداً، إذ عاود هؤلاء القادة عملهم ضمن اللواء بعد تدخل التحالف لإطلاق سراحهم، وحتى لو لم يطلق صراحهم فالكذبة أكبر من أن تمر أو تُغطّى. فكيف يبث صقور الرقة شريطاً لقادة اعتقلتهم القوات الكردية.
تمثيلية رخيصة حاولت القوات الكردية تقديمها ففشلت بالتأليف والأداء والتصوير والإخراج، إذ يعلم أهالي الرقة جميعاً، ولا سيما المدن الخاضعة لسيطرة “قسد” بعد تنظيم داعش أن القوات الكردية تسيطر على كل مفاصل القرار، وتسلك نهجاً عنصرياً ضد المكونات غير الكردية، ويعلم الجميع أن المكونات غير الكردية في صفوف “قسد” ديكور لتجميل المشهد فقط، ولواء ثوار الرقة ربما يكون الوحيد إلى حد ما لا تنطبق عليه هذه القاعدة، وهذا ما يفسر حملة القوات الكردية عليه، فهي تريد عبيداً لا شركاء، وتدرك أن اللواء قد يشكل عليها خطراً كبيراً ولاسيما في المناطق العربية حيث يزداد منسوب الكراهية ضدها.
أوباما يورث ترمب تركة ثقيلة
يحاول الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته بارك أوباما أن يظهر كرئيس دولة عظمى، وهو الذي تصرف كبطة عرجاء طوال ثماني سنوات، فقد فرضت واشنطن عقوبات تضمنت طرد 35 دبلوماسياً روسياً بسبب الهجمات الإلكترونية.
هذا وتحدث أوباما عن فرض عقوبات على 9 كيانات وأفراد؛ بينهم جهازا مخابرات روسيان وأربع ضباط مخابرات وثلاث شركات قدمت دعماً مادياً للمخابرات، وتحدث كذلك عن عقوبات غير علنية.
وتأتي العقوبات رداً على تدخل الروس في الانتخابات الأمريكية وفق ماصرح به أوباما، ويدلل التدخل، على الحال الذي أوصلت إليه إدارة أوباما الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة، فقد أضعفت إدارة أوباما من هيبة الولايات المتحدة في العالم باعتبارها الدولة رقم 1 في العالم، ولا شك أن تدهور العلاقة بين روسيا والولايات المتحدة سيترك أثراً على الشرق الأوسط ولا سيما سورية، ويبقى حجم التأثير مرتبطاً بموقف الإدارة الجديدة، فروسيا ضبطت نفسها على أمل أن ينهج الرئيس القادم سياسة مختلفة، إذ تحاول روسيا جاهدة ضبط الإيقاع السياسي في المنطقة قبل وصول الرئيس القادم، فهل تنجح السياسة الروسية؟ هذا ما ستكشفه الشهور القادمة.
الإندماج خلاص أم انتحار!
أطلقت مجموعة من الفصائل على الساحة السورية مبادرة لتوحيد صفوفها تحت جسم عسكري موحد، بهدف جمع كلمة المقاتلين وتقريب وجهات النظر بين التشكيلات العسكرية في سورية، قج تكون هذه المبادرة نتيجة الدرس الصعب الذي قدمته خسارة معركة حلب، إلا أنّ هذا الإندماج بشكله الحالي المعنون بسيطرة جبهة النصرة على قيادته العسكرية، ما هو إلا جر للفصائل الثورية للتهلكة وإدراجها على قائمة الإرهاب، لتعيد التنظيمات الموالية لتنظيم القاعدة شكلها الجديد بجلب الأعداء بالمجان للساحة السورية.
فالسبب الرئيس للهزيمة في حلب تفرق كلمة الثوار، فحصار النظام لحلب، والخلايا النائمة وهجومه لاحقاً بل وبقاء سيطرته على الجزء الغربي من حلب ما كان ليتم لو كان الثوار على قلب رجل واحد أو ضمن تشكيل عسكري واحد.
اتفاق الهدنة التركي الروسي
توصل الروس والأتراك لاتفاق وقف إطلاق النار على الأراضي السورية باستثناء المناطق الخاضعة لسيطرة داعش، وقد بدا لافتاً إعلان الرئيس الروسي فلاديمير عن الاتفاق، مما يؤشر حرص القيادة الروسية على إنجاحه، اتفاق يمهد للمحادثات السياسية بين المعارضة والنظام في الأستانة عاصمة كازخستان.
ويعد الاتفاق رغم كثير من الملاحظات نصراً سياسياً للمعارضة السورية، فالاتفاق الناجم عن المباحثات بين مسؤولين روس وأتراك وأطراف من المعارضة يعني اعترافاً روسياً بشرعية الفصائل الثورية، ونفي صفة الإرهاب التي تمسك بها الروس كثيراً.
ورغم الضغوط التي تمت ممارستها على الثوار إلا أنهم كانوا طرفاً ونداً للروس والأتراك خلافاً للنظام السوري الذي ظهر عبداً ذليلاً للروس لا يجرؤ رفض أمرهم.
هذا ويصطدم الاتفاق بالرفض الإيراني الضمني له، وستحاول الميليشيات الطائفية إفشاله ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، وتبقى القدرة على ذلك رهن الجدية الروسية في إنجاحه، ويؤكد اليوم الأول بما تضمنه من خروقات بوضوح لعدم الرضا الإيراني. فالتدخل الروسي دوافعه سياسية اقتصادية خلافاً للتدخل الإيراني ذي الصبغة الطائفية.
ولعل النقطة الإيجابية الأبرز التي حصل عليها الثوار في المفاوضات شمل الاتفاق جميع الفصائل الثورية بما في ذلك فتح الشام. حيث أكدت المعارضة السورية تمسكها برفض الحديث عن أي فصيل موجود في مناطق المعارضة، وهذه النقطة جوهرية ومفصلية إذ تمنع قصف المواقع المدنية بحجة وجود عناصر من فتح الشام ضمنها.
ومن الناحية الإنسانية يعد الاتفاق فرصة لقسم كبير من السوريين للعيش ولو مؤقتاً حياة طبيعية، ويساعد على إيصال المساعدات لقسم كبير من السوريين، هذا ويبقى الاتفاق هشاً للأسباب السالفة وللراعي الروسي إذ لا يمكن الثقة بالروس الذي فتكوا بالسوريين، وأنقذوا الأسد سياسياً وعسكرياً، وقد يكون الاتفاق برمته لعبة روسية لجس نبض الإدارة الأمريكية القادمة، والأتراك في النهاية لا يشكلون نداً حقيقياً للروس.
كما أن الهدنة بحد ذاتها ليست هدفاً إنما وسيلة لغاية، وهنا تتنافر الغايتان، فلا يتصور عاقل قبول المعارضة ببقاء الأسد ونظامه الأمني، كما لا يتصور تقديم الأسد تنازلات إلا إذا أجبره الروس على ذلك.
وتزداد مخاوف السوريين في المناطق الواقعة تحت سيطرة داعش، فاتفاق الهدنة يتيح الفرصة للروس والنظام مزيداً من الوقت لقصف هذه المناطق، ويدرك الجميع حجم المأساة التي يعانيها المدنيون جرّاء القصف الجوي الذي يوصف غالباً بالعشوائي، فطيران التحالف المعروف بدقته ارتكب العديد من المجازر فكيف الحال مع النظام والروس؟! إن المناطق الشرقية من سورية تذبح مرات عدة؛ مرة على يد داعش ومرة على يد التحالف، ومرة على يد النظام والروس، ومرة بتجاهل مأساتهم إعلامياً، فكأنه مسموح قتلهم لأن القدر أوجدهم في منطقة سيطر عليها الإرهاب، وبالتالي تبقى الفرحة ناقصة، فشلال الدم السوري سيتناقص دون أن يتوقف.
روسيا تبدأ خداعها
يبدو طبيعياً سعي روسيا لاستصدار قرار من مجلس الأمن، بوقف اطلاق النار على الساحة السورية، فالقرار الدولي يعطي شرعية قانونية للمساعي الروسية، ويلمع صورة روسيا الملطخة بدماء السوريين. فالمشروع يقدم الروس كحمامة سلام.
ويبدو الخبث الروسي ظاهراً بالفوارق بين المشروع المقدم لمجلس الأمن من جهة، والاتفاق الموقع مع الثوار من جهة أخرى؛ حيث ينص مشروع مجلس الأمن صراحة على استثناء جبهة فتح الشام وداعش، دون التطرق نهائياً للمليشيات الطائفية، وحزب العمال الكردستاني ممثلاً بالقوات الكردية، في حين لا يشير الاتفاق الموقع مع الثوار من قريب أو بعيد لفتح الشام بل يشمل وقف إطلاق النار كل الأراضي الخارجة عن سيطرة داعش، فهل يسعى الروس لتأمين غطاء قانوني لعدوان جديد أم يريدون حشر الثوار الموقعين في الزاوية؟.
كما يقترح المشروع الروسي تشكيل وفد مستقل للمعارضة العسكرية، وهذا خبث روسي واضح إذ يريد الروس رفع الدعم السياسي المقدم من العرب والغرب للهيئة السياسية العليا للمفاوضات، فروسيا تنتقم من العرب والغرب وتجهد للاستفراد بالملف السوري، وتفصيل حل على مقاسها، في حين لا يشير اتفاقها مع الثوار لذلك بل فوّض العسكر الهيئة بالمفاوضات السياسية.