تراجعت حركة التجارة في مدينة الرقة السورية الخاضعة لسيطرة تنظيم داعش، بعد فترة يمكن وصفها بالذهبية، اذ بدأ شح المواد التجارية في الأسواق وضعف حركة البيع والشراء، وكان لهذا التراجع أسباب عدة بعد أنّ استطاع التنظيم ولفترة طويلة الحفاظ على ذاك الإزدهار، وتحويل الرقة إلى عقدة تجارية للبضائع القادمة من تركيا إلى أسواق التصريف في محافظة دير الزور والحسكة وريف حمص وحتى ريف دمشق عبر البادية السورية.
استغل التنظيم هذا الأمر ليحقق نوعاً من المارد المالي الرديف للنفط، عبر فرض الضرائب ورسوم العبور على سيارات نقل البضائع، إلا أنّ هذا المورد المالي بدأ بالنضوب لعدة أسباب منها:
تقلص مساحة سيطرة التنظيم وفقدان خطوط التجارة “العابرة للحدود”:
خسر التنظيم معظم المساحات التي كان يسيطر عليها في سورية في ريف الحسكة والرقة وريف حلب لصالح مليشيات سوريا الديمقراطية “قسد”، التي سيطرت على الشدادي وتل حميس والهول في ريف الحسكة وعلى تل أبيض ومعظم الريف الشمالي والغربي لمدينة الرقة وعلى منبج في ريف حلب الشرقي، كذلك سيطرت قوات الجيش الحر المدعومة تركياً على ما تبقى من الشريط الحدودي من اعزاز حتى جرابلس، الأمر الذي حرم التنظيم من مصدر هام للبضائع المهربة عبر الحدود مع تركيا، وأهم تلك المواد هي المعلبات ومواد البناء من اسمنت وحليب الأطفال والأدوية وبعض المعدات الصناعية، كذلك فقد التنظيم معظم الخطوط الواصلة بين العراق وسوريا مما صعب التبادل التجاري بين مناطق سيطرته.
تراجع تجارة النفط:
بعد خروج ريف الحسكة من سيطرة التنظيم، والذي يعد من أغنى الأراض السوريا بالنفط، حيث يعتبر النفط أحد الموارد الأساسية في تمويل تنظيم داعش، إضافة لاستهداف التحالف الدولي وبشكل متكرر لصهاريج نقل النفط الخام الذي كان يصرف باتجاه المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الحر في غرب البلاد وبعض مناطق النظام السوري، والتي تفتقر لأي موارد نفطية في مناطقها، ومؤخراً تحول معظم تجار النفط ومالكوا شاحنات نقله إلى مناطق قوات قسد لتنشط التجارة بين مناطق هذه القوات باتجاه ريف حلب الشمالي، وذلك لسهولة النقل وآمان الطرق التي لا تتعرض للضربات الجوية، بالتالي حُرم التنظيم من رسم عبور الشاحنات عبر آراضيه، حيث أنها كما يبدو استراتيجية لمحاربة داعش عبر نقل خطوط التجارة من مناطقه وحرمانه من تلك الموارد.
ضعف القوة الشرائية:
نتيجة الظروف الإقتصادية الصعبة التي يعاني منها التنظيم ولجوءه إلى تخفيض رواتب عناصره تقلصت القدرة الشرائية في مناطق سيطرته، كذلك توقف النظام السوري عن دفع رواتب كل الموظفين الذين لا يلتحقون بمناطق سيطرته في مدينة حماة، حيث أنّ غالبية مدني الرقة هم من العاملين في القطاع الحكومي، هذا وكان لتراجع قطاع الزراعة وتربية المواشي نتيجة الظروف المناخية والقصف المتكرر دوراً في ضعف الواقع الإقتصادي في مناطق سيطرة التنظيم، الأمر الذي أدى إلى حالة من شبه الجمود في الأسواق وتراجع القدرة الشرائية واقتصارها على الحاجيات الأساسية بالحد الأدنى.
هروب التجار:
كان لارتفاع وتيرة سياسة التنظيم في فرض الضرائب بغية تمويل عملياته والخدمات التي يقدمها، دوراً في هروب رؤوس الأموال من مناطق سيطرته، فعدا عن الزكاة التي تعد فرضاً دينياً يقوم التنظيم بفرض ضرائب أخرى كالنظافة والكهرباء والمياه، رغم أنّ هذه الخدمات لا تقدم بشكل مستمر وقيمتها ترتفع بشكل متسارع، كذلك حكم القضاة بعدم صحة بيع “الفراغة” وبأثر رجعي ساهم في خسارة عدد كبير من التجار لملكية محلاتهم، إضافة للتضيق على حركة التجار في الخروج من مناطق سيطرة التنظيم، واشتراط التنظيم رهن التجار ممتلكاته كان من الأسباب المعيقة لهم، وكان لقصف الأسوق بالطيران الحربي من قبل القوات الروسية والأمريكية بشكل متكرر أثر كبير على حركة الأسواق، كل هذه الأسباب مجتمعة أدت إلى هروب التجار من مناطق سيطرة التنظيم حاملين معهم أموالهم نحو تركيا بالعموم.