الرقة تذبح بصمت
ما إنّ يستعد تنظيم داعش لتسليم مناطق يسيطر عليها، دون مقاومة تذكر، لمجرد أنه يعلم أنّه سيخسرها في القريب العاجل، ليصدر تعليماته بالاستيلاء على البيوت الخالية من أصحابها، الذين دفعهم سوط داعش وقصف الطيران لهجر منازلهم، وكون الرقة هي المعقل الأهم بالنسبة له والخسارة الأخيرة في نظره، فإنّه في كل مرة يصدر الأوامر بمصادرة المنازل الفارغة من أهلها في مدينة الرقة ويقوم بتسليمها لعناصره الفارين من مناطقه التي يخسرها في العراق والشمال السوري.
وحتى المدنيين ممن تركوا منازلهم في المدينة ونزحوا إلى الريف الواقع تحت سيطرة التنظيم، صدر قرار بمصادرة منازلهم وتسليمها إلى العناصر الفارين وعوائلهم من العراق وجرابلس.
علي ( اسم مستعار ) أحد مدنيي الرقة الذين صُودرت منازلهم قال للـ “لرقة تذبح بصمت”: “تمت مصادرة منزلي في مدينة الرقة وذلك عقب نزوحي مع عائلتي إلى ريف الرقة الشرقي، بعد اعلان المليشيات الكردية نيتهم بالهجوم على الرقة، وعند قيامي بمراجعة ديوان العقارات أخبروني بأنّ قرار مصادرة بيتي قد صدر قطعياً فلا يجوز أنّ اغلق بيتي واسكن في بيتٍ آخر، فمجاهديهم أولى أنّ يسكنوه على أنّ يبقى مغلقاً”.
ويذكر أنّ ديوان العقارات من الدواوين الحديثة، والذي أنشاه التنظيم للإشراف على عمليات البيع والشراء والآجار في المدن، إذ أن هذه العمليات تتم بعد دفع مبالغ مالية للتنظيم كأجور معاملات، كما أن ديوان العقارات هو المسؤول عن جمع الضرائب من المحلات والبيوت والبسطات في الشوارع. ويدخل في عمل هذا الديوان مصادرة البيوت التي تركها اصحابها وخرجوا إلى مناطق لا تتبع للتنظيم أو أن اصحابها من المطلوبين للتنظيم، ومن ثم تسليمها لعناصر من التنظيم، أو حتى أن يكون اصحابها من المسيحين أو اليزيدين أو الكرد.
وفي سياق منفصل، يذكر أنّ التنظيم قد فرض مبالغ مالية ضخمة للمواطنين الذين يريدون مغادرة الرقة إلى مناطق سيطرة النظام أو الأراضي التركية على أن يتم إعادة المبلغ بعد عودتهم مع وجود كفيل يضمن العودة للمغادرين ضمن مدة محدد، وفي حال عدم عودة المغادرين في المدة المحددة يتم مصادرة أملاكهم.
طارق احد الاشخاص الذين حاولوا الخروج من الرقة قال للـ “الرقة تذبح بصمت”: “حاولت الذهاب إلى مدينة حماه لتفقد أمور عائلتي التي تقطن هناك، وعند ذهابي لطلب الإذن بالسفر، طلب ديوان الحسبة التابع لداعش، إحصاء ما أملك من عقارات ووضعها رهن الحجز ريثما أعود في مدة محددة، وسيتم حجز جميع أملاكي حال تأخري عن موعد العودة”، إلا أنّ المدنيين لا يأمنون جانب التنظيم وخبثه ووضع طرقات السفر، ليكمل طارق: “راجعتي نفسي مراراً لأجد نفسي أمام قرار يقتضي بإلغاء هذه الرحلة كون أنّ الطريق يتعرض للإغلاق لعدة أيام نتيجة الإشتباكات”.
ويذكر أنّ هناك الكثير من التهم المختلفة التي يصدرها التنظيم للسيطرة على منازل المدنيين، بحجة أنّ أصحابها ينتمون للجيش الحر الذي يصفه داعش “بصحوات الردة”، أو حجة أنهم يعملون لصالح قوى التحالف الدولي.
ويشير ناشطون من مدينة الرقة أنه في حال خروج داعش من منازل المدنيين في الرقة، سيواجه المدنيون مشكلة جديدة لا تختلف عن سابقتها، حال دخول المليشيات الكردية والتي سوف تسيطر مرة أخرى على تلك المنازل، بحجة أنها منازل عائدة للتنظيم، وبحجة أنّ التنظيم قام بوقت سابق على تهجير الأكراد من مناطق شمال السكة، وبالتالي سوف يكون هناك نوع من الإنتقام.