الرقة تذبح بصمت
ليست مسوحً ميدانية أو تنبؤات للأمم المتحدة تعيشه قلقاً ككل مرة، بل واقعً معاش اليوم يشهده ريف الرقة الشمالي من حركة نزوح لأبنائه بعد إعلان صافرة بدء معركة “غضب الفرات” من قبل ميليشيات سوريا الديمقراطية “قسد”، والذي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية معظم تكوينه، والمدعوم بغطاء جوي من قوات التحالف الدولي، معركة ينطبق عليها عسكرياً مثل واحد :”إني أسمع جعجعة ولا أرى طحنا”.
فباتت قرى الريف الشمالي للرقة، تتداعى واحدة تلو الأخرى بأيدي ميليشيات الوحدات الكردية والتي كان أولها قرية الهيشة شمال الرقة، والتي نفذ فيها التحالف الدولي مجزرة إرتقى على إثرها 25 شهيداً، ليغادر بعدها أهالي قرية خنيز منازلهم ليجدوا أنفسهم في فيافي يهاجمهم فيها غدر الجوع والعطش والتشرد من جهة، والشتاء البارد من جهة أخرى، خاصة وأن الحدود التركية أغلقت في وجههم نتيجة سياسة إتخذتها أنقرة تجاه الشعب السوري، حتى مدينة تل أبيض التي منعت الميليشيات الإنفصالية العرب من دخولها أو اللجوء إليها إلا بوجود كفيل كردي حصراً.
فيما لا يزال أهالي مدينة الرقة ينتظرون دورهم ويتوجسون خيفة فيما سوف يحل بهم في حال تقدمت الميليشيات الكردية اتجاه مدينتهم، وقد اوضح استطلاع للرأي أجرته “الرقة تذبح بصمت” مع عدد من قاطني مدينة الرقة تبين فيه أنّ أهالي الرقة لا يريدون تجارب سابقة في مدينتهم فهم اليوم يعيشون في حالة من الخوف من كل ما هو جديد خاصة وأنه جديد يلفه الغموض في حال وقعت المدينة بأيدي الميليشيا الكردية، ذات السمعة السئية في تهجير المدنيين العرب والتركمان من قراهم في الشمال، كما ويتساءل الرقيون ما هو مستقبل مدينتهم ومستقبل سكانها ذو الغالبية العربية، فهم لا يعلمون مصيرهم في ظل إنقطاع المدينة عن العالم بعد مصادرة تنظيم داعش لأجهزة التلفاز من الأسواق والبيوت وإغلاق محلات الإنترنت التي أصبحت حكراً على التنظيم الإرهابي فقط، ويعيش أهالي الرقة حصاراً داخلياً فرضه تنظيم داعش حيث منعهم من مغادرة المدينة ليتخذ منهم دروعا بشرية داعياً إياهم للجهاد على “الكفار والمرتدين”، عبر سيارات الحسبة والمناشير اليومية والخطب الأسبوعية، فالعالم يعيش اليوم صراعاً دولياً وإقليمياً من أجل السيطرة على الرقة سعياً منه للقضاء على داعش مستبدلاً إياه بمليشيات أكثر تطرفاً وإرهاباً، فالرقيون لايرون أنّ الحل بالقضاء على الإرهاب باستبداله بإرهاب آخر لأن حجم الكارثة غدا سيكون أكبر مما هو عليه اليوم.
فهل سياسة التهجير والتطهير العرقي الذي يلحق بالعرب والتي يشهدها الريف الشمالي السوري عامة والرقي خاصة ستطال الرقة و أهلها الذين أضحوا كما أهل الموصل ضحايا الإرهابين؟.