الرقة تذبح بصمت
بعد سيطرة تنظيم داعش على المدينة في يناير كانون الثاني 2014 قام التنظيم بتشكيل ما سماه مجلس العشائر، وهدفه تثبيت وجود التنظيم واستخدم سياسة النظام بكسر أي قوة عشائرية قوية قد تكون خرجت بعد التحرير ولفعل ذلك قام بتعيين أناس من غير الوجهاء التقليدين وشيوخ العشائر وحاول تعويمهم خاصة بعد رفض البعض بيعة التنظيم، قام كذلك بتوزيع الهبات والبيوت والسيارات التي صادرها من أهل المدينة على هؤلاء، أمدهم كذلك بالمال وأعطاهم بعض الصلاحيات لإخراج بعض المعتقلين ممن لا يشكلون خطراً على التنظيم، مع الحذر من جعلهم يشكلون قوة عسكرية أو أمنية ضمن التنظيم بحيث يبقى مسيطراُ عليهم، كل ذلك في سبيل تعويمهم بين العامة بالإضافة إلى التشديد على المدنيين وتنفيذ أحكام قطع الرؤوس في الشوارع وبث أقصى درجات الرعب بين المدنيين ليجعل مجلس العشائر هو الملاذ الوحيد للسكان المحليين، كذلك عمد التنظيم إلى تصوير السكان على أنهم ينعمون بخيرات الخلافة ويعيشون حياة الرفاهية في ظل حكمه من خلال إصداراته المرئية كبديل عن مسيرات التأييد لبشار الأسد.
لم تكن اصدارات التنظيم عن اخذ البيعات من العشائر وموائد الطعام في ضيافة تلك القبائل مصادفة أو عبثاً بل هي مقصودة يريد التنظيم من خلالها إيصال رسالة للعالم أنّه قد صهر نفسه في نسيج المجتمع وحاول كذلك ربط مصير السكان بمصيره حيث تعمد وضع مقاره بين بيوت المدنيين فبعد كل استهداف يظهر أنه استهداف للسكان المحليين وخاصة لمن يعيش خارج المدينة، والصور التي يخرجها التنظيم دوماُ تتعلق باستهداف الأطفال والنساء بعد القصف، ولا بد من ذكر الخديعة الكبرى التي قام بها هذا التنظيم في صيف العام الماضي بعد خروج مدينة تل أبيض من يده وسيطرة ميليشيا “YPG” عليها بالتعاون مع التحالف الدولي وتهديدهم لمعقله في مدينة الرقة، قام التنظيم حينها بإصدار فتوى بتهجير السكان الأكراد من مدينة الرقة فاصدر التنظيم حينها القرار باسم ديوان العشائر بهدف نقل الصراع إلى صراع قومي بين العرب والأكراد وبالتالي مقاتلة أبناء الأرض وكسبهم إلى صفوفه.
مفهوم الحاضنة الشعبية هو مفهوم سطحي واستسهال لموضوع وجود داعش وفي أحيان كثيرة للتستر على جرائم الأسد وتبريرها ضد المدنيين على اعتبارهم دواعش الحاضر وأبنائهم “دواعش المستقبل”، وهم في هذا يقدمون خدمة عظيمة للتنظيم تتمثل في دعاية مجانية لفكره بدافع الانتقام والدفاع عن المسلمين في وجه (الأخرين) الذين يستهدفون “المسلمين السنة” دون تمييز وتنظيم داعش هو الذي يقوم بقتالهم والتفجير فينشأ جيل جديد يكون حاضنة حقيقية لتنظيم داعش مما يجعل القضاء على التنظيم أكثر صعوبة، لابد من حملة اعلامية سياسية تضع بعين الاعتبار الفصل بين قوات تنظيم داعش والسكان المحليين، كذلك سلوك القوات التي ستطرد التنظيم من المدينة ومعاملتها الجيدة للسكان المحليين في الأراضي التي يتم السيطرة عليها هي التي ستعجل في نهاية التنظيم وتجعله منبوذاً في المجتمع.
ربما تنظيم حركة مقاومة مدنية أو عسكرية ضده مما يسهل القضاء علي هذا التنظيم الإرهابي ، فحتى اليوم لا يزال السكان المحليين يفضلون تنظيم داعش على نظام الأسد وحزب الله والميليشيات التي تقاتل معه بسبب تاريخهم المملوء بالجرائم والفظاعات، وهذا ما يفسر قتال أبناء تلك المناطق إلى جانب التنظيم حين تقدم قوات النظام كونهم يدافعون عن أنفسهم وليس عن تنظيم داعش والتحالف الذي بينهم هو دفع عدو مشترك.