الرقة تذبح بصمت
حشدت الولايات المتحدة الامريكية في منتصف عام 2014 اكثر من ستين دولة للقضاء على داعش في حربها المستمرة على الارهاب التي بدأت قبل ستة عشر عام في افغانستان، يأتي هذا الحشد بعد اشهر من وضع الولايات المتحدة تنظيم داعش على لائحة الارهاب عقب سيطرة الاخير على محافظة الرقة وريف حلب الشرقي وديرالزور وريفها المحررة.
تتبجح امريكا في هذه الحرب وتتهافت الحشود اليها للحصول على مقعد في هذه الحملة التي ترفع من اسهم الدول عالمياً وامريكياً، ويتفاخر بعضهم امام الاخر بانه من المؤسسين او المشاركين بقوة في حين يكسب البعض منهم تعاطفاً دولياً إن خطف او قتل احد رعاياه على يد التنظيم الارهابي، لا تقف المسألة هنا بل تتطور اكثر وتلقى تعاطفا ودعماً اوسع حين تتعرض لهجمة بسكين او مسدس، ثم يبدء ذرف الدموع لتعزيز المظلومية الغربية من ارهاب الاسلام في بعض التصريحات التي تترجم “خطئاً” في بعض المصطلحات الفرنسية او الانكليزية الصعبة للغاية وغالبا ماتكون هذه المصطلحات مقصودة كونها تخرج من رأس السلطة في البلاد.
اذاً هكذا تعمل الدول وبهذا تفتخر وتتبجح، ولحقها مرتزقتها وجيوشها “المحلية” التي ايضا تفتخر بما يفتخر اسيادها واولو امرها حيث تحارب وتصالح كما يأمرون، يأمرون ايضاً بتحويل قضية قومية تاريخية عمرها سنين طويلة الى قضية حرب على الارهاب الذي لم يتجاوز عمره العام ولم يتخطى حدود “القضية” الا بضعة كيلومترات معدودة، وكانما هذا التنظيم كان حاضرا في مؤتم لوزان او شريك سايكس بيكو!! ناهيك عن التحالف النسبي مع عدو تاريخي كان له النصيب الاكبر من دم المدافعين عن “القضية” فقط للقضاء على الارهاب الذي يرعب امريكا.
هكذا يحارب الارهاب وترعاه الدول رسمياً، لكن نحن ماشأننا؟ نحن اقصد فيها اهل الارهاب واصحاب عاصمة الارهاب واخوة الارهابيين وابناء عمومتهم وضحياهم!
نعم نحن ابناء مدينة الرقة المتهمون بالدعشنة مؤخراً، نحن الدواعش في يوم من الايام خرج شخص منّا وقال هؤلاء ليسوا دولة الاسلام في العراق والشام هم داعش وهكذا يجب ان يكون اسمهم، في هذا التاريخ تحديداً كانت الولايات المتحدة تشاهد عبر طائراتها كيف فرّ معتقلو الارهاب من سجن بوكا في العراق.
يتزامن تغيير الاسم مع حملات اطلقها شباب الرقة لنشر علم الثورة وتغطية شوارع المدينة به بعد ملاحظة ملامح لرايات سوداء وعبارات لاتناسب الثورة ولها تاريخ اسود قد يسيء للثوار، في هذه الايام تحديداً كان التحضير جاري لانتخابات مجلسي المحافظة والمدينة على اساس “المحاصصة” القومية في المدينة الي يشكل السنة العرب 99% من اهلها.
كان الصيف لطيف على المدينة ولا تخلو شوارعها من ليال السهر التي تطول حتى الفجر، لكن ما ان تحول السهر من مجموعات صغيرة للعائلات والاصدقاء الى تظاهرات تجتمع امام كنيسة الشهداء وسط المدينة، لم تكن اشارة مقصودة لتعزيز الاخوة بين الاديان، فطريا هكذا نحن لا نعرف شيء عن الخلافات الدينية او المخاوف على الاقليات التي تطلقونها، حتى ان ذاك الشاب الملتحي المنضوي تحت لواء مجموعة اسلامية وقف على باب الكنسية بعد بلاغ بمجموعة تحاول سرقتها وقال “هذا بيت للعبادة ومن يقترب منه يقرء على نفسه الفاتحة” ومضى الى ان قتلته داعش اثناء حربها في دير الزور، في دير الزور نعم، هكذا نحن نحارب الارهاب اينما وجد ولا نختص به ارضنا فقط.
في الشهر ذاته استشهد اكثر من ثلاثين مدني بقذائف هاون مصدرها الفرقة 17 شمال الرقة ب3 كم، على اثر هذا القصف شن الجيش الحر حملة شرسة على عناصر النظام في الفرقة من ثلاثة محاور هي الشرق والغرب بالاضافة للشمال واجزاء من الجنوب الذي كان يرابط في اجزائه الاخرى مقاتلين يدعون انهم ثوار برايات صفراء عليها شعارات “YPG” الى ان تبين في الوقت نفسه انهم يمدون الفرقة بكل شيء من سلاح وغذاء وطبابة حتى ان وصل الحال الى تأمين زيارات لبعض عناصر الفرقة الى اهلهم، مع ان المنطقة التي كانوا يرابطون بها ذات غالبية كردية وعليها خطر كبير من قصف النظام الا ان الجيش الحر لم يطلب من اهلها والمسؤلين العسكريين عنها بوجب اخلائها خشية فهم هذا الطلب بغير معناه وتركهم وشأنهم لتقدير سلامتهم.
هؤلاء نحن الارهابييون خرجنا بجملتنا نهتف ” الرقة حرة حرة وداعش تطلع برا” حين هجمت داعش على محطة القطار التي يتخذ منها “احفاد الرسول” مقراً له، نحن ايضاً من اخرجنا جرحى الاحفاد من المحطة بعد تدميرها بمفخخة وقمنا بتهريبهم خارج المدينة، ونحن ايضا من واجهنا قذائف الاربجي بصدورنا حين اطلقها مهاجر تركي على مظاهرتنا في محيط المحطة، ونحن ايضا كنا نحذر من هذه التطورات ونوجه رسائل لكم لتحاولو منع تدفق المهاجرين من امريكا وفرنسا، الا تذكرون؟
الثورة مستمرة والتظاهر مستمر وكل يعبر عن مايريد بحرية مطلقة لذلك تجد علم كردستان يمتزج بعلم الثورة السورية تمر الشهور ويتساقط رفاق الثورة واحدا تلوا الاخر بين مختطف وشهيد برصاص صامت وتبدء حملات التوثيق التي شملت الكل، كل المغيبين سجنا او موتاً من راس العين وحتى حلب مرورا بالرقة صاحبة النصيب الاكبر، على رأسهم الاب باولو الايطالي الذي نصبت حواجز التفتيش في كل احياء المدينة بحثاً عنه رغم يقيننا بمكانه وانكارهم له، نيكولاس وفولي وبيتر كاسينغ وغيرهم، كلهم طالبنا بالافراج عنهم قبل ان تطالب بهم بلدانهم، تظاهرنا لاجلهم واطلقنا الحملات والنداءات قبل ان تكلف خواطر مسؤولينهم ومخابرات دولهم.
هتفنا وحشدنا ضد الارهاب، دفعنا بالكتائب والالوية لاجتثاثهم، قاتلناهم بكل شيء، بالحنجرة والكاميرا والبندقية، خسرنا اجمل شبابنا وكل مدينتنا، دفعنا ولازلنا ندفع ثمن حربنا على الارهاب، ثلاث سنين من التسكع في شوارع تركيا واوروبا ولازلنا نحارب.