الرقة تذبح بصمت
أصدرت ميليشيات سوريا “الديمقراطية” بيانا اعلنت فيه عن بدء معركة عزل الرقة تمهيداً لاقتحامها واخراج تنظيم داعش منها، الإعلان لم يكن مفاجئاً في توقيته خاصة بعد تصريحات آشتون كارتر أبان معركة الموصل عن قرب انطلاق عملية عزل الرقة التي تعتبر معقل تنظيم داعش في سوريا، الملفت في البيان المصور عدم وجود أي اشارة إلى دور الجيش الحر أو أي دور مفترض له خاصة ان مدينة الرقة عربية خالصة والتركيز على “المشاركة الفعالة لوحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة”، كذلك وصل رئيس هيئة الأركان الأمريكية إلى العاصمة التركية أنقرة وبحث مع مسؤولين أتراك العمليات المرتقبة في الرقة مما زاد في غموض الموقف.
التشكيك الكبير من قبل الكثيرين حول قدرة هذه الميليشيات على معركة مثل الرقة خاصة أنها تجري في عمق عربي خالص تماما، او ان الاعلان هو مجرد خدعة كما حدث منذ عدّة أشهر حين أعلنت هذه الميليشيات بدء معركة “التقدم نحو مدينة الرقة ولكنها حولت الوجهة باتجاه مدينة منبج، ويرجح البعض في هذه المرة أن تقوم هذه القوات بمهاجمة مدينة مارع أو الباب بهدف وصل مناطق سيطرتهم في عين العرب “كوباني” بعفرين وفرض اقليم كردي، مما يزيد التعقيدات في المنطقة خاصة بعد اطلاق تركيا عملية درع الفرات وتوغل الجيش التركي داخل الأراضي السورية وتوجيهه انذارا واضحا ً بأن أي تقدم لأي قوات كردية غرب نهر الفرات سيكون الرد عليه حاسماً.
كذلك تواجه ميليشيات وحدات حماية الشعب والمرأة اعتراض من قبل عدد كبير من مؤيديهم حيث يعتبرون أنّ هذه المعركة ستكون محرقة لأبنائهم خاصة أنّ الرقة لا يوجد فيها أي تواجد كردي مهم عددياً وهي أيضاً ليست ضمن مناطق “اقليم كردستان سوريا” المفترض أصلاً.
سيناريوهات العزل
من المرجح أن تقوم قوات سوريا الديمقراطية بالتقدم جنوباً انطلاقاً من مدينة عين عيسى نحو الريف الشمالي للرقة وسيكون الهدف الرئيسي السيطرة على قرية تل السمن بهدف احتلال قناة “تل السمن للري” حيث أنها تشكل الحاجز الوحيد في هذه المنطقة السهلية الأمر لن يكون سهلاً أبداً فالمسافة حوالي 30 كم والتنظيم متجهز لهكذا سيناريو منذ زمن حيث بنى العديد من الاستحكامات والأنفاق والنقاط العسكرية، وفي حال سيطرة هذه القوات على القناة فأنها بعددها الحالي لن تكون قادرة على التقدم أكثر حيث أن محيط المدينة الشمالي محصن بشكل هائل فالفرقة 17 والسجن المركزي والأقطان تعد قلاعا حصينة للتنظيم خاصة أنه عمد على حفر الأنفاق وتلغيم الطريق ونصب الكمائن مما سيخلف خسائر كبيرة في صفوف هذه القوات التي سيكون خط امدادها العسكري طويل “حوالي 70كم” مقابل تواجد كبير وسهولة حركة لعناصر داعش وقيامهم بعمليات تسلل وضربه من الجانبين خاصة أنها منطقة مفتوحة حيث ستنحصر سيطرة القوات المهاجمة على طريق الرقة تل أبيض لأنه من شبه المستحيل بتلك الأعداد التي تمتلكها أن تتمكن من السيطرة على كل هذه المساحة الجغرافية المفتوحة .
تركيا لا يزال موقفها غامضاً حتى الآن لكن هناك احتمال أن تقوم بعد طرد داعش من مدينة الباب بالتعاون مع قوات الجيش الحر المنضوية تحت درع الفرات بالتقدم شرقاُ والسيطرة على مسكنة والتقدم نحو الرقة تدريجياً وهو خيار يتطلب وقتاً كبيراً بسبب المسافة التي الكبيرة “حوالي 200كم كذلك وجود عدد من المدن التي ينبغي طرد التنظيم منها للوصول إلى الرقة.
تركيا رفضت عرضاً أمريكيا بإيجاد صيغة توافقية عبر ادخال قوات تركية وقوات من الجيش السوري الحر المدعوم من قبلها من معبر تل أبيض التي تسيطر عليه قوات ميليشيات سوريا الديمقراطية وتشارك الأخير مع القوات الداخلة في طرد داعش من الرقة سبب الرفض التركي يعود إلى عدم اعطاء هذه القوات التي تصنفها تركية كمنظمات ارهابية أي شرعية يمكن أن تنعكس على الوضع الكردي لديها خاصة وأنها -تركيا- تتهم الحزب الديمقراطي الكردستاني بأنه الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني التركي “PKK”.
ربما ستترك تركيا وحدات حماية الشعب تصارع داعش الذي سيستنزفها بشكل كبير خاصة أن الرقة تعتبر حصنه الأخير ومع وجود آلاف المقاتلين ووصول اعداد اضافية من العراق فمن المستحيل على هذه القوات أن تشكل أي خطر على داعش “قدرت أعداد المقاتلين في الموصل بستة آلاف مقاتل والقوات المهاجمة نحو 120 ألف مقاتل بأسلحة ثقيلة ،أي معركة للرقة تحتاج مثل هذا الرقم وهو ما لا يتوفر ربعه لدى قوات سوريا الديمقراطية”
خاصة أن تركيا تعرف أن لا توجه بالدخول إلى المدينة، فعلى الأغلب سيشن التنظيم هجمات ويقوم بعمليات تسلل في مناطق سيطرة الأكراد وخطوطهم الخلفية مما سيجبرهم على سحب جزء من تلك القوات وبالتالي يبعد تنظيم داعش خطرهم عن معقله في الرقة.
النظام يبدو خارج الحسابات تماما خاصة بعد العملية الي حدثت الصيف الماضي والتي روج لها الإعلام النظامي وحلفاؤه وتقدمهم السريع باتجاه الطبقة ليكتشفوا أنه كمين محكم من قبل تنظيم داعش الذي طردهم خارج الحدود الإدارية للرقة تماماً وأبعدهم عن مدينة الطبقة حوالي 80كم ، وقتل ودمر معظم القوة المهاجمة من ميلشيا “صقور الصحراء” رغم الدعم والغطاء الجوي الروسي، في أحسن الحالات للنظام ربما أن يتقدم ويسيطر على حقل “توينان” للغاز الطبيعي لكنه على الأغلب لن يستطيع التقدم أكثر بسبب إنهاك قواته وعدم وجود قدرته عسكرياً.
على الجانب الاخر فالحساسيات العرقية ستكون حاضرة خاصة مع السجل السيء لميليشيات سوريا الديمقراطية في التهجير، وهذا سيحول الصراع إلى كردي عربي وهو ما يطيل عمر تنظيم داعش الذي يبرع في تأجيج هذا الأمر وبالتالي استماتة المقاتلين وتشجيع المدنيين لقتال تلك القوات ليس حباً بداعش وإنما رفضا لدخول هذه الميليشيات أراضيهم، خاصة بعد بيان اليوم الذي بدا أشبه بمهرجان اعلامي أكثر منه إعلان معركة.
اذا هي حرب عزل وحرب إرادات وخريطة مصالح محلية واقليمية ودولية شديدة التعقيد والتغيير حرب ضد عدو لكنها ليست حلفا من الأصدقاء بل هي مجموعات من الأعداء تسعى لتثبيت وجودها كالشريك الأساسي في مكافحة “الإرهاب” في معركة يحبس العالم أنفاسه قبل أن تبدأ حتى.