الرقة تذبح بصمت
في يونيو 2014 سيطر تنظيم داعش على مدينة الموصل العراقية في ظروف غامضة خصوصا مع انسحاب القوات العراقية التي كانت متواجدة فيها بدون أي معارك حقيقة ضد التنظيم و تسليمه مخزون من الأسلحة التي استولى عليها الأخير و سهل من خلالها سيطرته على المناطق الشرقية في سوريا حيث كان التنظيم يخوض معارك عنيفة في ذاك الوقت ضد قوات الجيش الحر في ديرالزور و ريفها. في المقابل كانت الاتهامات صريحة ضد القوى المسيطرة على العراق حول اندحارها أمام التنظيم في ذاك الوقت و التواطؤ في تسليم المدينة بسهولة له.
و في مايو 2016 بدأ الحشد لمعركة تحرير الموصل مسبوق بشعارات طائفية إضافة لجدل سياسي بين الدول المحلية و الإقليمية حول طبيعة المعركة في الموصل.
و في 17 الشهر الحالي بدأ الهجوم على الموصل من قبل قوات برية متعددة منها قوى عراقية كالجيش العراقي النظامي و ميليشيات شيعية و قوات إيرانية و تركية بالإضافة إلى قوت البيشمركة و خبراء أمريكان بالتزامن مع طلعات جوية و قصف متعدد المصادر من قبل دول التحالف و لاعبين أخرين في المشهد العراقي استهدف مدينة الموصل.
و يبدو أن التضخيم الإعلامي الذي رافق كل هذه التحركات الأخيرة مدهش و غريب كما كان في سيطرة تنظيم داعش على الموصل منذ عامين تقريبا. ليطرح هذا تساؤلات عدة حول طبيعة هذه المعركة و أهدافها و تحولها من معركة ضد تنظيم داعش إلى سباق دولي بالوصول إلى الموصل. و الذي بشكل أو بأخر ساهم فيه تنظيم الدولة بزج المدينة و سكانها في صراع دولي و طائفي و بدى و كأنه جزء من المشهد المتواطئ ضد مدينة الموصل العريقة و أهاليها المنكوبين.
نزوح أهالي الموصل باتجاه الشرق السوري
مع التحضير لمعركة الموصل بدأت المخاوف واضحة لدى أهالي المدينة من نتائج المعركة التي هم ضحيتها الأولى بكل تأكيد. لذلك شهدت الحدود السورية العراقية و خصوصا مناطق في أرياف دير الزور حركة عبور و نزوح جماعية من قبل عائلات عراقية قادمة من الموصل بسبب التخوفات من نتائج هذه المعركة.
و في هذا الصدد توقعت الأمم المتحدة نزوح مليون شخص نتيجة معارك الموصل إذ بلغ عدد اللاجئين القادمين من مدينة الموصل إلى ريف الحسكة في الأيام الأولى بحسب تقديرات ما يقارب الأربع ألاف نازح توجهوا إلى مخيم الهول شرق مدينة الحسكة و الذي تشرف عليه مفوضية اللاجئين فيما ذكر ناشطون من الحسكة أن مليشيات الـ PKK رفضت استقبال هؤلاء النازحين أيضا.
و مع استمرار المعركة على أطراف المدينة و بدء المناوشات بين تنظيم داعش و القوى المهاجمة نزحت مئات من العائلات العراقية حيث لوحظ و بشكل مستمر أيضا تدفق هذه العائلات باتجاه الحدود السورية القريبة من منطقة القائم حيث توجهت كثير من هذه العوائل إلى مناطق ديرالزور و منطقة القائم المحاذية لمدينة البوكمال بحكم الصلات العشائرية التي تربط بين المنطقتين.
تحركات لتنظيم داعش قبل و بعد بدأ المعركة
بدأ تنظيم داعش تحضيراته للمعركة فعمد التنظيم إلى نقل قادة عراقيين من مناطق سيطرته في سوريا إلى الموصل و أشرك مجموعات قتالية تابعة له من ديرالزور والرقة في معركة الموصل بعد أن قام بسحبها من الجبهات القتالية ضد نظام الأسد في المدينة. كما قام التنظيم بإعدام أحد قادته بتهمة التخابر مع الجيش العراقي و رافق بدء معركة الموصل إجراء بعض التغيرات الإدارية في مناطق سيطرته بين سوريا و العراق. و صادر التنظيم منازل جديدة في مناطق عدة في ديرالزور والرقة و قام بتسليم هذه المنازل المصادرة لعائلات فرت من الموصل و عائلات أخرى تنتمي لمقاتلين من التنظيم بحسب مراسلي “الرقة تذبح بصمت”.
هل ستكون الرقة الهدف التالي بعد الموصل ؟
بالرغم من عدم انتهاء العمليات العسكرية في الموصل إلا أن الحديث حول الخيارات المقبلة أخذ حيز من النقاش الدولي في سياق التحضير لمعركة الموصل ضد التنظيم. و مع التوقعات التي أفادت بنية التنظيم لنقل مراكز قوته و قادته في حال سقطت الموصل نحو الرقة أعرب مسؤولون غربيون من أن الهدف المقبل لقوات التحالف هو الرقة كما جاء ذلك في تصريحات رئيس الوزراء الفرنسي “مانويل فالس ” حيث دعا إلى ضرورة استرجاع مدينة الرقة السورية، على غرار العملية التي تجري حالياً لاستعادة الموصل شمالي العراق و بأن الموصل الخطوة الأولى الصعبة و بعدها ينبغي دعم قوات المعارضة التي تحارب تنظيم الدولة و نظام الأسد في آن واحد، و خاصة التي تضم الأكراد أيضاً، من أجل تحرير الرقة” . بينما جاءت التصريحات التركية تحذر من نشوء حرب مذهبية في الموصل و بالتالي ستؤثر على المنطقة بأكملها. فيما يبقى السؤال القائم حول ارتدادات معركة الموصل على الحالة السورية خصوصا بعد تعهدات الرئيس التركي بإخراج وحدات حماية الشعب الكردي من مدينة منبج و انتزاع مدينة الباب بريف حلب الشرقي من قبضة التنظيم.