الرقة تذبح بصمت
لأنّهم ليسوا أرقاماً مجردة للتوثيق، هم إناس لهم قصص، لهم أصدقاء وأمهات وزوجات وحبيبات، أحبوا الحياة ،لكنهم أحبوا الكرامة أكثر، رفضوا الذل والخنوع، نسرد قصصهم حتى لا تنسى فللشهيد حق علينا في ذكره، ليعرف الجميع والتاريخ أي تضحية قدٌمت لنيل حرية السوريين، وأي نظام فاشي قارعنا.
علي البابنسي مواليد 1996 الرقة – سورية، كان يدرس في مدرسة ابن خلدون التجارية في الرقة، لديه خمس أخوة اعتقلوا عدة مرات. قام ومجموعة من الشباب بتشكيل تنسيقية طلاب الرقة ضمت مدرسة ابن خلدون ومدرسة التجارة ومدرسة الرشيد (مدارس المرحلة الثانوية) ساهمت هذه التنسيقية في زيادة النشاط الثوري في المدينة بشكل كبير.
شكل استشهاده لحظة فارقة في الثورة في الرقة بشكل خاص ولا مبالغة اذا قلنا على مستوى الثورة السورية بشكل عام، أراد ذلك الشاب مع بضع عشرات من رفاقه إحياء ذكرى إكمال الثورة السورية في عامها الأول فخرجوا في مظاهرة في شارع تل أبيض مساء يوم الخميس 15-3-2012 لكن قوات الأمن والشبيحة أطلقت النار عليهم فأصيب الشاب علي برصاصة في القلب واستشهد على إثرها، لم تكتفِ قوات الأمن بذلك بل حاولت خطف الجثمان لمنع خروج مظاهرة أثناء تشييعه، التف عشرات الشباب حول المنزل في مظاهرة لمنع قوات الأمن من اقتحام منزل الشهيد ووجه والده رسالة عبر التنسيقيات إلى شباب الثورة بالقدوم والتجمع حول منزل الشهيد فتهافت مئات الشباب وقاموا ببث المظاهرة على الهواء مباشرة وسرعان ما بدأ الحشد يكبر ليصبح آلافاً، وفي صباح يوم الجمعة خرجت الرقة ريفاُ ومدينة في إحدى أكبر المظاهرات في تاريخ الثورة، (بعض التقديرات تشير إلى أنّ عدد المتظاهرين تجاوز 200 ألف )، مما أعطى دفعاً قويا للحراك المدني حيث كانت تمر بمرحلة فتور خاصة بعد تمكن النظام السوري من اقتحام حي بابا عمرو بعد تدميره والسيطرة على الوضع في مدينة حماة.
خرجت معظم المدن والقرى السورية لتشد من آزر الرقة وتتضامن معها، كان كذلك أطول نقل حي على الهواء مباشرة استمر لمدة 30 ساعة متواصلة، قام متظاهري الرقة بتشييع الشهيد إلى مقبرة تل البيعة وأقسموا قسم الحرية.
الأمن الذي انسحب تحت ضغط الجموع الهائلة من المتظاهرين، الذي عادوا وهم مصرين على كسر صنم الخوف المتمثل بتمثال الطاغية حافظ الأسد، وهذا ما اعتبره النظام كسراُ لوجوده فأمر الجيش المتمثل بعناصر الفرقة 17 باقتحام المدينة وحين بدأت طلائع المتظاهرين السلميين تصل إلى ساحة المحافظة فتحت قوات الأمن الرصاص على الجموع مما ادى لاستشهاد العشرات من الشباب وأصيب المئات واستمرت المظاهرات ليومين متتالين تمكنت بعدها قوات الجيش والأمن من فرض حظر للتجوال.
لقد سرّع استشهاد علي البابنسي في نهاية النظام المجرم في الرقة، فأسقط وجودها كمنطقة موالية له خاصة بعد صلاة بشار الأسد فيها وتصويرها على أنّها “الحاضنة الشعبية العشائرية الموالية له”، حيث لجأ معظم شباب الثورة لحمل السلاح بعد أن يأسوا من السلمية مقابل إيغال النظام في القتل، وشن حملة اعتقالات في صفوف التنسيقيات والحراك الثوري – لايزال بعضهم حتى اليوم مغيباً في سجون النظام – ما حمل بعض الشباب للخروج إلى الأرياف البعيدة وحمل السلاح، وتحرير مدينة تل أبيض التي كانت مقدمة لتحرير الرقة المدينة.
مقطع من تشييع الشهيد
#شهيد_من_الرقة