الرقة تذبح بصمت
تعاقبت خسائر تنظيم داعش السريعة في الشمال السوري منذ منتصف عام ٢٠١٥ حتى اليوم، كان أخرها “دابق” في ريف حلب الشرقي، وانتزاعها من قبل قوات “درع الفرات” المدعوم تركياً.
دابق، البلدة الواقعة شمال شرق مدينة حلب، على بعد 15 كم من الحدود السورية – التركية، والتي طالما تغنى بها التنظيم في إعلامه كسيرة لا تفتأ أن تنقطع، وكمصدر هام لجذب المقاتلين وخصوصاً الأجانب، وتجنيد المقاتلين المحليين، بإعتبارها أحد أهم الرموز الدينية والتاريخية في الإسلام، كما جاء في الأحاديث النبوية، أنّ معركة “آخر الزمان” ستكون في بلدة دابق في أرض الشام، فجعل داعش من هذا الحديث شماعة ليعلق عليها دجله بشأن تلك البقعة، من خلال تعشيمه لجنده وإثباته للعالم أجمع بأنهم هم الثلة التي ستقاتل الروم على حد زعمهم، فقد كانت دابق حديث التنظيم في كل مجلس وفي كل إعلان حتى أنه أصدر مجلة تحمل اسمها يعرض فيها انتصاراته دون هزائمه التي تتوالى تباعاً.
دابق التي جعل منها التنظيم بوابة أفتح ياسمسم ليسيطروا من خلالها على العالم بفتحهم القسطنطينية (اسطنبول)اليوم والاتجاه منها نحو روما. كما وشهدت هذه البقعة معركة مرج دابق عام 1516 بين العثمانين والمماليك والتي انتصر بها العثمانيون فكانت بوابة سيطرتهم على العالم العربي آنذاك، حتى خروجهم منه عقب الحرب العالمية الأولى.
إلا أنّ التنظيم في كل مرة يجعل من معارك دابق معركة آخر الزمان، فبإحتلال داعش دابق من الجيش الحر في عام ٢٠١٤ وصفها بمعركة آخر الزمان، كما وجيّش عناصره لجر الدول والتحالفات إلى سوريا تحضيراً لتلك المعركة، ولرمزية “دابق” في التاريخ الإسلامي، عرض التنظيم في عام ٢٠١٤، عملية ذبح لخمسة من الرهائن الأجانب على يد عنصره البريطاني “محمد اموازي” والذي يشتهر باسم “الجهادي جون”، إذ ظهر “جون” في التسجيل المصور وخلفه قرية دابق وتحت قدميه رأس الرهينة الأمريكي عبد الرحمن كاسيج، ليردد الموازي “ها نحن ندفن أول أمريكي صليبي في دابق وننتظر بفارغ الصبر وصول بقية جيوشكم”.
واليوم وبعد فجر تحرير الجيش الحر لدابق من براثن التنظيم، يقلل التنظيم من شأنها وأهمية معركتها دون تبرير إنسحابه منها خاصة وأنه قام بحشد نخبة مقاتليه على جبهة دابق قام باستدعائهم من على جبهات حمص مع النظام، وجبهاته مع قوات الحشد الكردي في ريف الرقة الشمالي حيث بلغ عددهم نحو 2200 مقاتل، اليوم يلقي التنظيم نفسه في منطقة وسطى بين معركتي دابق الصغرى ودابق الكبرى، وأنه بانسحابه هذا يعلن لأحد أمرين: إما أنه يحضر لإعادة انتشاره ليعيد لملمة بعثرة قواته المتهالكة ليشن هجوماً مضاداً على طريقته بإرسال مفخخاته التي اعتادها في كل مرة عندما يوضع في خانة اليك، وإما أن يعاود أدراجه بالتقهقر إلى الرقة معقله الأخير.