الرقة تذبح بصمت
شهدت السنوات الثلاث الماضية صعودًا للمقاتلين الأجانب في تنظيم داعش في التسلسل الهرمي الإداري والعسكري للتنظيم، فعلى مدار السنوات الماضية بدا جلياً قدرة التنظيم على استقطاب المقاتلين من جنسيات مختلفة، الذين شكلوا في البداية أحد عوامل قوة التنظيم، إلا أنّه وبعد ثلاث سنوات أصبحوا أكثر تهديداً على التنظيم، إذ غد المقاتلون الأجانب أحد أكبر خصوم داعش حالياً.
هذا وتختلف أهداف المقاتلين المحليين الباحثيين عن السلطة والمال عن أهداف الأجانب، وبدا ذلك من خلال التوترات بين المجموعتين في أكثر من موقف، فبالبدايات استطاع داعش السيطرة على الأمر بشراء الولاءات، إلا انّ التنظيم اليوم خسر عدداً كبيراً من مصادر تمويله، مما أثر على سير عملياته العسكرية، ليخسر ما يقارب 16% من مناطق سيطرته في الأشهر التسعة الأولى من هذا العام، وذلك بعد ان تقلصها من 90800 كم إلى 78000 كم في 2015.
و وفقًا لمقاتلي داعش المحليين، فإن ضرر المقاتلين الأجانب أكثر من نفعهم، إذا قورن بحجم التوترات التي يثيرونها مقابل قيمتهم الحقيقة؛ إذ أججت عدم قدرة المقاتلين الأجانب أو بالأحرى عدم استعدادهم للتعاون مع المقاتلين المحليين السباقات القاتلة بين الطرفين، بهدف الوصول «للمال والسلطة». على سبيل المثال في تموز 2015، قتلت ميليشيات متشددة ألبانية وروسية ثلاث مقاتلين محليين تابعين لداعش، فضلًا عن إصابة عدة أشخاص آخرين في حقول النفط جنوب كركوك، حيث أوردت ميليشيات المسلحين المحليين أن المجموعتين لطالما تصارعا «بسبب خلافاتهما في الإستراتيجيات العسكرية المقترحة للقتال على الجبهات»، وأن المقاتلين المحليين رفضوا الانصياع لأوامر للمقاتلين الأجانب.
كما وظف التنظيم التمييز المؤسساتي العميق في أوامره العسكرية، إذ حدد الترتيب النسبي للمقاتلين في الهيكل الهرمي للقوات المقاتلة على أساس الجنسية. شغل كل من المقاتلين الأمريكيين والأوروبيين، ومقاتلي أوروبا الشرقية -بما في ذلك الروس والشيشان– مرتبة المناصب الإدارية الوسطى في مصانع العبوات الناسفة، ومعسكرات التدريب، والقواعد العسكرية في الجبهة الأمامية، أما المقاتلون الصينيون ومن وسط آسيا يستخدمون بالأساس في تنفيذ العمليات الانتحارية. أما العرب قُسِّموا لمجموعتين، أولهما يشغلون المناصب القيادية رفيعة المستوى وهم عراقيون في معظمهم، والأخرى في أدنى المناصب الممكنة.
استمر هذا التسلسل الهرمي لمدة عامين تقريبًا، لكن مؤخرًا تسببت معارك سنجار والبشير، في تغيير جذري في هذا الترتيب الهرمي، حيث اقنع المقاتلون الأجانب قيادة داعش أنهم قادرون ومؤهلون لتنظيم المعركة وقيادتها، الأمر الذي من شأنه أن يساعدهم في اكتساب وضع عسكري وغنائم حرب. إلا أنه بعد أن وافقت قيادة داعش على مطلب المقاتلين الأجانب بتنظيم وقيادة المعارك، فشلت المعركتان فشلًا ذريعًا كارثيًّا، لتكون بذلك معركة البشير وسنجار الحجة المثالية للمقاتلين المحليين لبدء استرجاع المناصب الإدارية والعسكرية الحيوية في الخطوط الأمامية في محافظة نينوى، بما في ذلك الموصل، لكن لم تكن القوات الأجنبية على استعداد للتخلي عن أماكنها؛ مما أسفر عن نزاع بين مجموعات المقاتلين الفرنسيين والمحليين في آب الماضي.
ليتحول ولاء المال والمنصب لدى المقاتلين لصراع سلطوي، قد يكون الشعرة التي ستقصم ظهر داعش، مؤدية لتهالكها أكثر.