الرقة تذبح بصمت
الجزء الثاني
الجميع يتفق أن داعش تعتمد الإعلام كأحد أخطر الأسلحة الأساسية، لمحاربة ذلك لابد من تفكيك وتحليل هذا الإعلام، أبرز سماته نقاط قوته وضعفه علنا نستطيع وضع بعض الخطوط العامة لسياسة إعلامية تحارب هذا التنظيم وفكره المتطرف هذا ما حاولنا فعله في الجزء الأول من وسنحاول في جزئه الثاني وفي الجزء الثالث سنستعرض بعض الأفكار لمحاربة هذا التنظيم.
لا شيء يشغل الإعلام العالمي منذ سنتين حتى الآن إلا أخبار داعش وأفعالها قطع الرؤوس حرق الناس قتلهم بطرق جديدة، كل ذلك لإيصال رسالة واحدة فقط لا غير الارهاب، ليس هذا فقط فإنها تمتد كإخطبوط لتصل إلى وسائل التواصل الاجتماعية والافتراضية من «فيسبوك» وتوتير» ويوتيوب» وغيرها لكي تصل بهذا إلى كل منزل وفي أي مكان في هذا العالم.
الصور والفيديوهات المنشورة لها هي في أغلبها ذات تقنية وجودة عالية. المؤثرات البصرية والسمعية في الفيديوهات غالبا ما تكون متسارعة في مرحلة المونتاج، لتشعرنا بجو من القلق والأرق. «داعش»، التي تدعى مهاجمة الغرب و«كفره» لا تفعل بحملاتها الإعلامية والترويجية هذه سوى أن تكون هي نتاج لهذا الغرب، وتتبع أساليبه الإعلامية والتقنية والتكتيكية حتى في أدق تفاصيل أفلامها المنشورة. والأجنبية بفيديوهات يحظر نشرها في أحيان كثيرة نظرا لعنفها.
يمكن تلخيص سمات عامة لسياسة داعش الإعلامية
البرتقالي كلون للضحية
تستخدم اللون البرتقالي كلباس للضحية التي ستمارس عليها تعذيبها، قطع رأسها، صلبها أو حرقها. البرتقالي كمساجين غوانتانامو. هم ضحايا يراقبهم جلادوها من وراء الأقنعة واللثم السوداء والتي تخفي وجوههم!
في البداية كانت الفيديوهات تركز على الصحفيين والمواطنين “الغربيين”، لكنها ومنذ فترة سنة تقريبا تحولت نحو الناشطين والإعلاميين السوريين ،مرفقة باعترافات على طريقة “النظام السوري” ولكن بزخم انتاجي وتقنيات بصرية مكثفة في غالبها مستوحاة من أفلام هوليوود مثل فيلم The_Matrix
الأفلام القصيرة ذات الجودة العالية
تعي داعش تماما أهمية حربها الإعلامية الناجحة هذه في بث الذعر والخوف من أراضي العراق وسوريا لتصل وكما أشرت إلى الشاشات العالمية لأهم المحطات وإلى كل منزل. لم يعد سلاحها اليوم فقط حربيا يستخدم فيه جنودها الكلاشينكوف بل أيضا أصبح الجنود يستخدمون أحدث كاميرات
البروبغندا على وسائل التواصل الاجتماعي
ما يحدث اليوم من حرب إعلامية تشنها يؤكد تماما على فشل الحكومات الأوروبية في السيطرة على الأمور. فحتى وإن قام وزير داخلية فرنسا بعقد المئات من المؤتمرات لمحاربة ومنع نشر فيديو هاتها من «يوتيوب» وتوتير» فيسبوك»، فإن هذا لن يمنع الآلاف من الشباب المراهق أو ضحايا الرفض من المجتمع الأوروبي نظرا لاختلافه لأسباب «دين، بشرة، عرق». تعرف «داعش» تماما كيف تصل لقلوب هؤلاء من الضعفاء والتائهين من الشباب. وخاصة أبناء الجيل الثاني والثالث من المهاجرين ذوي الأصول العربية أو المسلمة مما يعني فشلا ذريعا بموضوع الاندماج.
ما فعلته الحكومة الفرنسية وكما قلت إنها قامت بتأسيس مواقع إعلامية للتوعية والإرشاد من خطر وأكاذيب الإلتحاق بـ»داعش» وجيشها. الفيديو ورغم تأثيره لم يلق الإهتمام من قبل الشباب، نظرا لكونه «حكوميا» وبالتالي فإنه لن يمنع شابا في مقتبل العمر من الإلتحاق بـ»داعش» والإستماع إلى الحكومة!
التركيز على الوضع الاقتصادي والاجتماعي
مؤخرا تزداد اصدارات التنظيم حول الأوضاع الداخلية إن صح التعبير وبكثافة عالية ، وذلك يبدو كرسالة لمؤيديها أنها ما زلت “دولة” تمارس البيروقراطية عبر مؤسساتها كالمعتاد بالرغم من التراجع الأخير والخسارات الكبرى التي تلقتها مؤخرا وعلى كافة الجبهات والخسائر البشرية وتقلص الرقعة الجغرافية التي تحتلها وهي تصور الأمر كأن الناس يعيشون بأحسن حالتهم المعيشية وكل ذلك بفضل سياستهم الناجحة فنرى اصدارات تتحدث عن النزهات في الأعياد وتوفر كافة مستلزمات المعيشة بل وحتى الرفاهية فيما تبقى من مناطق سيطرتها !
تتغذى على اليأس والطائفية والدكتاتورية
لعل العدناني لم يكذب حين وصف مقاتلي التنظيم بأنّ “شرابهم الدماء وأنيسهم الأشلاء”، لكنها ليست أشلاء المقاتلين فقط بل أشلاء الأطفال الذين يسقطون في سوريا بفعل همجية نظام الأسد، دماء النساء والأبرياء ،المعتقلين وغيرها من مآسي الشعب السوري تشكل غذاء لفكر التنظيم ودعاية له لينجح في نقل الصراع والثورة إلى مستوى آخر وهو مستوى الطائفية، وهذا ما يريده نظام الأسد ليسم الثورة بالأرهاب، فحين ارتكبت مجزرة الحولة والقبير في ريف حماة “ارتكبتها قطعان من الشبيحة مع عبارات طائفية كتبت على الجدران” سنة 2012 لم يكن هناك شيء اسمه داعش ،فللتنظيم والنظام مصلحة في جعلها حرباً طائفية.
كلما نظرنا إلى أصول الإرهابيين والإنتحاريين الملتحقين بصفوفها فإننا نستوعب بأن لكل منهم سببا خاصا به وبأنهم ليسوا جميعهم منضمين لها للسبب نفسه. «داعش» تركز على أولئك المهمشين كما ذكرت، الذين لا يشعرون بأي إنتماء للدول الأوروبية، رغم كونها أمكنة ولادتهم ونشأتهم. تستغل يأس هؤلاء وشعورهم بهجران الحكومات لهم لتغذي في رؤوسهم فكرة الإنتماء إلى «أمة» ليدافعوا فيها عن الضعفاء واليائسين مثلهم. تغرقهم بالوعود الجميلة، ولكن ما أن يصلوا إلى أرض الواقع فإن الأمر يختلف تماما ويكونون هم من أوائل المستهدفين بالقتل والضحايا.