الرقة تذبح بصمت
لم تتوقف خسائر تنظيم داعش منذ مطلع العام ٢٠١٦، فبعد خسارته لمدينة تدمر السورية لصالح مليشيات النظام السوري، وما تبعها من سيطرة عصابات الحشد الشعبي الشيعي في العراق على مدينة الفلوجة، والمليشيات الكردية على الريف الشمالي لمحافظة الرقة المعقل الرئيس للتنظيم، والبدء بمعركة “درع الفرات” التي استطاعت في وقت قياسي تحرير مساحة ألف كيلو متر مربع من أراضي سيطرة التنظيم.
وبالرغم من كل تلك الخسائر المتوقعة وما تضمنته من انكفاء التنظيم جغرافياً على معاقله الرئيسية في الرقة السورية والموصل العراقية، إلا أنّ التنظيم لا يزال يتمتع بالسيطرة على مساحة جغرافية واسعة تمتد على دولتين بما تحتويهما أراضي الدولتين من منابع نفطية وكتلة بشرية كبيرة.
وكما أعلن التنظيم على لسان ناطقه الرسمي “أبو محمد العدناني” والذي قضى في غارة لطيران التحالف الدولي في منطقة الباب في ريف حلب الشرقي، نعي حقبة تنظيم داعش وشعاره “باقية وتتمدد”، إذ بيّين إمكانية خسارة التنظيم لأهم معاقله وعودة مقاتليه إلى الصحاري والبراري كما كان عليه الحال قبل عدة سنوات.
فبعد انطلاق التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، رفقة أكثر من ستّين دولة، بذراعها العسكري المتمثل بالمليشيات الكردية على الأرض، كما أنّ روسيا الّتي تكنّ للجهاديين الّذين مرّغوا أنفها في أفغانستان والشيشان بغضا كبيرا هي الأخرى دخلت أرض النزال عبر إعلانها عن تشكيل تحالف أحاديّ ينسّق بمفرده لقصف الجماعات “الإرهابية” داخل الأراضي السورية، وليكن أخرها التحالف التركي مع قوات المعارضة السورية المعتدلة تحت اسم “درع الفرات”.
إلا أنّ الحرب الحقيقيّة على تنظيم داعش مازالت لم تبدأ بعد، فالمعارك لا تزال بعيدة عن عاصمتي “الخلافة” في كلّ من سوريا والعراق، فالموصل وفق ما يؤكّد ذلك مسؤولون أمريكيون ومراقبون لن يتمّ تحريرها في 2016، والرقّة ورغم الحملة الإعلاميّة الكبيرة الأخيرة والّتي تدّعي أنّ الميليشيات الكرديّة والقوات السورية يقاتلون على حدود المدينة، مازالت هي الأخرى بعيدة عن خطّ المواجهة الساخنة، وهو ما يدفعنا إلى القول “إنّ الشعار الّذي رفعه تنظيم الدولة “باقية وتتمدّد” مهدّد وواقعي في نفس الوقت”، فهو مهدّد لأنّ التمدّد متوقّف والخسائر متعدّدة وكبيرة خلال الأشهر الأخيرة، وواقعي لأنّ البقاء حاصل مادامت محافظتي “الرقة” و”الموصل” واقعتان تحت سيطرة “الخلافة”.
في النهاية، فإنّ الدارس والمتأمّل في الحروب وتاريخها ومساراتها، سيتأكّد بما لا يدع مجالا للشكّ أنّ الحرب على تنظيم الدولة لن تنتهي قريبا، خاصّة وأنّنا أمام انسداد الطرق السلمية لحل الأزمة السورية وتتالي الفتن السياسية والطائفيّة في العراق، بالإضافة إلى الوضع العامّ الّذي تمرّ به المنطقة العربيّة بأسرها، لكن كلّ هذا وغيره سيدفعنا إلى التساؤل في نهاية المطاف، من المستفيد من كلّ هذه الحروب وكلّ هذا الدمار والتخريب في المنطقة؟