الرقة تذبح بصمت
الجزء الاول
لطالما أدهش تنظيم داعش العالم في إصداراته عبر كمية العنف التي يبثها داخل اصداراته واختراعه لطرق جديدة في القتل لنشر الخوف وتصويره لنفسه على أنّه التنظيم الذي لا يتورع عن أي شيء في سبيل أهدافه حتى وإن تجاوزت خطوط الشريعة التي قام التنظيم -كما يزعم- لإحيائها ، بدأها بإصدار حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، وانتهاء بإصداره الأخير في مدينة دير الزور حيث قام بذبح عدد من شباب مدينة دير الزور وتعليقهم كالخراف وتقليد طريقة ذبح الأضاحي ما أثار موجة استنكار طالت ولأول مرة عناصر التنظيم نفسه حيث اعتبروها نوعا من “السخرية من شعيرة ذبح الأضحية فالله تعالى فدى اسماعيل ولد النبي ابراهيم بكبش في ذلك اشارة إلى عصمة النفس فما بالك بذبح شباب كالخراف وتعليقهم فالله طيب ولا يقبل إلى طيبا ” كما أشار لذلك حساب على موقع تويتر يدعي صاحبه أنه مناصر لدولة الخلافة !!.
كيف يخوض تنظيم الدولة “داعش” حربه الإعلامية وما هي وسائله واستراتيجياته وأهدافه؟ ما أهمية الصورة وما دلالات الرموز والكلمات في خطاب “داعش” الإعلامي؟
وعى تنظيم داعش مبكرا أهمية الإعلام والحرب النفسية، حيث جنّد لذلك مصادر وإيرادات كبيرة تظهر من خلال الكاميرات الاحترافية وطرق المونتاج التي يقوم بها فريق متخصص كذلك الحبكة حيث أنّ طريقة تنفيذ العقوبة تعتمد إلى حد كبير على رؤية “المخرج” حتى لو عارضت الدين وأصوله ففي اصدارات كثير ومتكررة يظهر موضوع القتل بالحرق والنسف والدهس والتفخيخ وكل ذلك يتم بقصد بث الصورة التي يهدف إليها “الفظاعة”
يمكن تصنيف مؤسسات إعلام تنظيم داعش إلى مؤسسات رسمية:
– مؤسسة “الفرقان”
– مؤسسة “الاعتصام”
– مؤسسة “الحياة للإعلام” التي أصدرت العديد من الإنتاجات أغلبها باللغة الإنجليزية.
– مؤسسة “أجناد” التي أنتجت إصدارات صوتية عالية الجودة مثل نشيد “يا ربي أسألك” ونشيد “أمتي قد لاح فجر” وغيرها، هذه المؤسسة هي التي تزود غيرها من المؤسسات بالمواد الصوتية والأناشيد الخاصة بالتنظيم.
النوع الثاني من المؤسسات الإعلامية هي المؤسسات غير الرسمية أو المناصرة
-وكالة أعماق وهي أشهرها تختص بنقل أخبار المعارك والقصف لكنها لم تصدر أي اصدار رسمي خاص بها رغم تغطيتها لكافة نشاطات التنظيم العسكرية والمدنية أحياناً
– مؤسسة “ترجمان الأساورتي” التي ابتدأت كحساب شخصي على موقع “تويتر” وتم إغلاقه عشرات المرات من إدارة الموقع، كذلك نشرت هذه المؤسسة العديد من الإصدارات منها إصدار ” كسر الحدود”.
– مؤسسة “البتار” ومؤسسة “الخلافة”.
– إذاعة “البيان” وهي أول إذاعة للتنظيم وهي تبث من مقري التنظيم الرئيسين الموصل في العراق والرقة في سوريا على الموجة القصيرة FM
يعتمد التنظيم أيضًا على حسابات مناصريه وأعضائه على شبكات التواصل الاجتماعي “تويتر” و”الفيسبوك”، حيث يستغل أصحاب هذه الحسابات تقنية خدمة “الهاشتاغ” و خدمة موقع “Justpastit”، وتخوض إدارة هذه الشبكات حرب حذف وغلق هذه الحسابات من جهة أخرى يخوض التنظيم حربًا لإعادة فتح هذه الحسابات ونشر مواده الدعائية خاصة في حسابات ما يسمى بولايات الدولة الإسلامية، أو يقوم ما يسمى “جيش الخلافة الإلكتروني” باختراق وتعطيل حسابات أمريكية عسكرية رسمية كما حصل مع حساب القيادة العسكرية الأمريكية الوسطى على تويتر ويوتوب الذي تم تعطيله لساعات ونُشر عليه مواد دعائية للتنظيم
يهدف تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” من خلال إعلامه إلى إيجاد دعاية جهادية جديدة يمكن تلخيص أهدافها في:
1- كسب مظهر الصدق وكسب ثقة الجمهور ثم الممكن استقطابهم في باقي العالم، حيث يهدف التنظيم إلى جذب المؤيدين من جميع أنحاء العالم خاصة الأوربيين والأمريكيين ، مصورا أنّ مدنه هي واحات من النعيم وأنها أرض “ألف ليلة وليلة” التي قرأ عنها الغربيين في كتبهم ، بلغ الأمر أنّ مجلة “دابق” أصدرت في أحد اعدادها مادة كاملة عن الطقس والمأكولات في مناطق سيطرة التنظيم في سوريا خاصة الرقة وريف حلب حيث وصفتها بالمناطق المتوسطية مع حر بسيط في الصيف نهارا يمكن الترويح عن النفس بزيارة نهر الفرات !!
2- تكرار مشاهد الانتصارات والفتوحات ومشاهد الإعدامات بقطع الرؤوس أو الإعدامات الجماعية بالرصاص، وتهدف تقنية التكرار إلى ترسيخ فكرة وشعار الدولة “داعش”: “باقية وتتمدد” مع ترسيخ الرعب والخوف في لا وعي وذاكرة خصوم الدولة قبل مؤيديها حتى يتراجعوا أو يهربوا خوفًا من التنظيم وبدون قتال، كما حدث في مدينة الموصل حين انسحبت القوات النظامية ساعات قبل وصول قوات داعش إلى المدينة وبدون قتال، تاركين مواقعهم والكثير من أسلحتهم تحت تأثير الخوف بمفعول هذه الدعاية المؤثر.
3- التركيز على المعركة الفاصلة والملاحم الكبرى وهي أمور غيبية في الدين الإسلامي يهدف داعش من استحضارها إلى حشد أكبر عدد من المناصرين وهذه ما تظهر كثيرا في شعارهم “دابق موعدنا” حيث يدعوا أنصاره إلى الصبر على الهزائم التي يمنون بها والتركيز على المعركة الفاصلة بين الخير والشر وهي أمور تستهوي الكثير من المراهقين
4- إظهار التنظيم نفسه بمظهر الدولة المتكاملة ، ففي اصدار كسر الحدود يتغنى التنظيم بإنهاء اتفاقية سايكس بيكو عبر ازالة الحدود العراقية السورية، والهدف من وراء هذا الأمر تحقيق نصر اعلامي على أنّه قوة يجب أن ينظر إليها باعتبار وتقدير، والقول بأنه إعلامي لأنّ الواقع العسكري يقول إنّه خسر تقريبا كل سيادته على تلك المناطق بل إنّ العدناني ومن قبله الشيشاني الذين أعلنا ذلك النصر على “قوى الصليب والماسونية” قد قتلوا بغارات جوية ، كذلك العشرات من الإصدارات التي تركز على الوضع الاقتصادي والتنظيمي لبينة “الدولة المزعومة” فمنذ عامين تقريبا أصدر التنظيم تقريرا مطولا عن أنه سيغير ميزان الاقتصاد العالمي عبر سكه لعملته الخاصة وهي الدينار الذهب الإسلامي وهي التي ستحقق العدل لجميع الناس وتجعل اقتصاد أمريكا ينهار لا ولم يجد التنظيم حرجا من الاشارة وإن بشكل مبطن لكل من روسيا والصين بأنه مستعد للتعامل معهم لجعل الدولار الأمريكي في الحضيض ، لكن على الواقع لم يظهر أي شيء جدي .
5. الترهيب وضبط الأمن في مناطقه: حيث يعرف التنظيم أنّ غير مرحب به من السكان المحللين في مناطق سيطرته لذلك يعمد إلى جعل الناس في حالة خوف من التنظيم مما يجعلها تمتنع عن التفكير بأي حركة تهدد وجود التنظيم حيث بدأها بحملة اعدامات في الساحات العامة والميادين ثم نقلها إلى مجموعة إصداراته “الهوليودية” يظهر قتل من يصفهم بالعملاء والصحوات بطرق بشعة ومرعبة بقصد اسكات المدنيين عن القيام بأي احتجاج
لقد تمكن تنظيم داعش من هضم عصارة كل الخبرات الإعلامية لكل التنظيمات الجهادية التي سبقته وخلق نوع جديد من الإعلام يعتمد على خلق قوة غير موجودة إلى في ذهن المتلقي، وصورة لا تعكس الواقع في مناطق سيطرته ولمحاربة هذا الدجل الإعلامي ينبغي البحث عن حلول جدية وجديدة حيث أنّ انهيار اعلام التنظيم وإصدارته وفقدان الثقة بها سيسرع وبشكل كبير من انهيار التنظيم ككل.