قيل في حلب الكثير٬ فمن ابن بطوطة إلى الحسين بن الجبير ونهايةً بالرحالة الفرنسي فولني٬ الذي قال: “حلب أنظف مدينة في السلطنة العثمانية وأجملها بناء وألطفها عشرة وأصحاها مناخا والحلبيون هم اكثر أهل السلطنة تمدناً”, إلا أنّ الصورة اليوم قد تغيرت٬ بعد أنّ امست حلب وأصبحت على أطنان من البراميل المتفجرة٬ بفعل نظام الأسد٬ في أخر ثلاث سنوات من عمر الثورة السورية, ففي زمن الأيديولوجيات البعثية انحدرت حلب نسبياً٬ وفي ظل الهجمة الأسدية عليها تدمرت كلياً٬ كما لم يبق من القاهرة إلا الذاكرة.
فلم تكن حلب “حلبية” بالمطلق يوماً٬ فلأبن الرقة تعد حلب مدينته الثانية٬ واتصاله الجغرافي مع العالم المتمدن بنظره٬ من يمرض كانت حلب الوجهة بأطباء “الجميلية” و”الإسماعيلية”٬ من يبتغي الزواج كانت حلب المعين بأسواق “التلل” و”المدينة” و” العزيزية”٬ ولمن يطلب العلم في جامعتها٬ فقد حفظ “صلاح الدين” والمارتيني” والمرديان” و”الفيض”٬ وفي الثورة السورية, كانت لبيوت “السكري” و”بستان القصر” و”الفردوس” فضل في حمايته, فهذه حلب وإليها السبيل دائماً.
فهي الهند الصغيرة بخاناتها الواسعة٬ وتجارها ومبانيها الجميلة٬ ولندن الشرق بترفها٬ وأثينا الآسيوية بنبل أهلها وتألفهم.
والنافل أنّ حلب تلقت أكبر الضربات على مر التاريخ٬ فمن سلخ امتدادها الشمالي والتجاري عقب سقوط الخلافة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى٬ وخسارة السكك الحديدية التي كانت تصلها بالموصل بعد اتفاقية سايكس – بيكو٬ ما أدى لتدهور حالها٬ وفي زمن التهلكة الاسدية، تضررت حلب بشكل كبير إنسانياً واقتصادياً بفعل القتال والقصف وتدمير المعامل والمصانع، وتوقف عجلة الاقتصاد في المدينة وتعرض الكثير من معالمها الأثرية للدمار مثل قلعة حلب والمسجد الأموي.
وبدل تعدد الاثنيات والاعراق في المدينة، في أحياء “العزيزية” و”الميدان” و “الأشرفية”٬ تعددت جنسيات المقاتلين الأجانب سواء المنضوين تحت لواء قاسم سليماني أو الروس والأفغان، وإذ كان الرحالة اطلقوا عليها تشبيها بمدن أخرى أوروبية واسيوية، فيمكن اطلاق توصيفات من نوع اخر، وهو تدمير حلب بالنسخة الروسية والأيرانية والاسدية والداعشية.
وسيعود الفستق الحلبي٬ والزعتر الحلبي٬ وصابون الغار الحلبي٬ كما عادت روما وستالينغراد٬ وستعود القدود الحلبية تغرد يوماً.
فقد: نفيت عنك العلة والظرف والأدبا
وإن خلقت لها إن لم تزر حلبا
لو ألف المجد سفرا عن مفاخره
لراح يكتب فى عنوانه حلبا