الرقة تذبح بصمت
لم يتوانَ تنظيم داعش منذ سيطرته على محافظة الرقّة٬ بالتدخل بكلّ شاردة وواردة في مناحي الحياة٬ ومن ضمن ذلك التعليم الذي يُعد الحلقة الأهم في مرحلة بناء الإنسان وصقله ليكون قادراً على التماشي مع سرعة تطوّر العلم التي يشهدها العالم، فقد عمل داعش وبشكل ممنهج على تفكيك العمليّة التعلميّة في الرقّة معيداً هيكلتها وفقاً لأفكاره ومبادئه المتطرّفة٬ بدءاً من مرحلة ما قبل المدرسة ومروراً بها وانتهاءً بالجامعة، فقد اغلق المدارس, وحرق كلّ الأوراق الثبوتيّة التي تخصّ التلاميذ (الأضابير)٬ كما ألغى العديد من المواد التعليميّة مثل الفيزياء والكيمياء والفلسفة وعلم الأحياء والتربية الدينية المسيحيّة٬ ومشكّكاً ببعض ما جاء في التربيّة الإسلاميّة والرياضيّات والفنون واللغة الأجنبيّة وغيرها من المواد التطبيقية٬ مطلقاً عليها أحكامه التكفيرية.
ليُعاود التنظيم فتح المدارس مجدداً، وذلك بعد تأليف وطبع مناهج تتوافق ومبادئه وأفكاره المتطرّفة ناسباً القسم الأكبر من هذا التطرّف للدين الإسلامي، موزعاً هذه المناهج على أعمار ما قبل وأثناء المرحلة الدراسيّة، والتي يهدف من خلالها إلى شحن وتغذية الطلبة والمتلقين بأفكاره المتطرّفة، مستغلاً دافع الحماس والنشاط لهذه المرحلة العمريّة الغضّة، والتي تكون على استعداد عالٍ لقبول هذه الأفكار دون التمييز بصوابها أو مصير ما سينتهي إليه حالهم فيما بعد، كما وأَولَى التنظيم عنايته لمادتي الفقه واللّغة العربيّة وهما الغالبتان على مناهج التنظيم على اعتبار أنّ ما كان يتعلّمه الطلبة سابقاً ماهي إلّا أفكار الإلحاد والملحدين، ولا يتمّ تشكيل وبناء الفكر دون الجسد وذلك بإيجاد مادّة اللّياقة البدنيّة، والتي تتضمّن المرحلة الأولى وهي بناء بنية الجسد من خلال التمارين الرياضيّة القاسية، لتأتي مرحلة التعريف ومن ثمّ التدريب على مُختلف أنواع الأسلحة وكيفية حملها واستخدامها٬ فقد أحال تنظيم داعش المدارس بحجة التعليم إلى معسكرات لاستقطاب الأطفال الطلبة ليتخرجوا منها مقاتلين يذودون عن أفكاره بأجسادهم الصغيرة.
ولم يكن الطلبة ضحيّة هذه المناهج الداعشيّة بل كذلك المعلمين، إذ عمد التنظيم إلى استدعاء المعلمين، وأخضعهم لدورة شرعيّة لتعريفهم على ما تتضمّنه هذه المناهج وكيفيّة تدريسها وإيصالها إلى الطلّاب، ومن ثم ألحقوهم بدورة إستتابة والتي من خلالها يعلن المعلمون التوبة عن تدريس مناهج النظام أو كما يصفها التنظيم بمناهج الملاحدة، ويُقام الحدّ على كلّ معلّم يقوم بتدريس المناهج القديمة بعد التوبة بما في ذلك الدروس الخصوصيّة.
ولم يقف التنظيم بمناهجه على المرحلة المدرسيّة، بل تعداها إلى المرحلة الجامعيّة حيث قام بإغلاق الجامعات في أول الأمر ملغيّاً العديد من الاختصاصات مثل كليّة الحقوق وذلك لعدم توافقها والشريعة الإسلاميّة، ثم إحداث كليتي الطب والتمريض وذلك لحاجته إليها خاصّةً بعد إفراغ مناطق سيطرته من الكوادر العلميّة بما في ذلك الأطباء، عاملاً على تخفيض سنين الدراسة إلى النصف، مع فرض شروط بسيطة للالتحاق بها.
غسل أدمغة وتغذيتها بفكر متطرّف هو قوام مناهج داعش وحال تعليمه الذي يعتمدّ على تكفير كلّ من يعارض هذا الفكر وهذا التنظيم، مناهج لاقت قبولاً من بعض الأهالي، في حين أنّ بعضاً منهم لم يجدوا عنها بديلاً و لا سبيلاً، فيما أعلن القسم الأكبر منهم عن رفضهم بتاتاً لتلك المناهج وواجهوها إما بعدم إرسال أبنائهم إلى المدارس أو مغادرة مناطق سيطرة التنظيم، ثم ما لبث التنظيم فترة قصيرة حتى عاد واغلق المدارس مجدداً.