داريا، خروج المنتصر، غرب الفرات حرام على الميليشيات الكردية، مشهدان يختصران حالة حلب، اتفاق الحسكة مصالحة أم استسلام.
تحليل هذه الأخبار وغيرها في”قراءة في أحداث الأسبوع”
داريا، خروج المنتصر
اتفاق بين المعارضة السورية في داريا والنظام السوري ينص على خروج المدنيين البالغ عددهم حوالي4000 آلاف، والمقاتلين البالغ عددهم حوالي 700 مقاتل بسلاحهم الفردي.
جاء خروج أهل داريا بعد حصار دام أربع سنوات، صنع خلالها أهلها المستحيل، فرغم أنّ المدينة لا تبعد سوى بضعة كيلو مترات عن قصر بشار إلا أنّها صمدت، وكبّدت قوات النظام خسائر فادحة بالعتاد والأرواح، لا يمكن وصف صمود داريا إلا بالأسطوري، فقد صمدت رغم وقوعها في عاصمة المستبد، فشكلت له على الدوام هاجساً مؤرقاً، صمدت بإرادة أهلها وبطولة مجاهديها لا بسلاحهم البسيط المتهالك.
قدمت داريا دروساً بليغة للداخل والخارج، قدمت درساً للداخل بأنّ الثورة لا تموت وقادرة على الاستمرار والتحول، فداريا باقية، وأهلها سيستمرون بنضالهم من مناطق أخرى، بل سيعلمون الآخرين معنى الصمود والصبر، وسيستفيد الثوار منهم دروساً لا تعد ولا تحصى، قدمت درساً لجميع السوريين على تلاحم الثوار بالشعب، باعتبارهم منه، ويدافعون عنه وله، تمازج لم يعرف له التاريخ مثيلاً، قدمت درساً بحسن الإدارة والتنظيم، فالمجلس المحلي والثوار عموماً أداروا المدينة إدارة ناجحة مكنت المدينة من الصمود، فالمكتب الخدمي والتعليمي والإعلامي و… عملت كخلية نحل، واستشعرت حجم المسؤولية، وكانت على قدرها، فاستمر الصمود لآخر لحظة، واستمر التعليم، واستمر وصول الصورة الإعلامية.
كشفت داريا خيانة هذا النظام الذي رضي بحصار مدينة سورية، وتجويع أهلها حتى الموت كي يركعوا، لكنهم لم يركعوا، ومرغوا أنفه بالتراب، فتعرّى كنظام طائفي حاقد، كشفت داريا حجم الانبطاح والخنوع لقادة ثوار الجنوب الذين وقفوا متفرجين لدمار المدينة وإبادة أهلها، فضحت داريا منظمة الأمم المتحدة التي لم تستطع إدخال رغيف خبز، وعلبة حليب، هذه المنظمة التي كانت راعية لتهجير مدينة كاملة، وتغيير طابعها الديمغرافي، إنها أمم مجرمة بكل معنى الكلمة.
صمدت داريا رغم سقوط أكثر من 7000 آلاف برميل، ناهيك عن الغارات الجوية والصواريخ، فكان عدد البراميل والصواريخ أضعاف عدد السكان.
فتحية إجلال وإكبار لأطفال داريا ونسائها قبل رجالها وشبابها ومقاتليها، لقد صنعتم المستحيل، وعلمتمونا أن مورد الحرية لا يكون إلا على درب من العذابات والتضحيات التي دفعتموها برحابة صدر، فكنتم أيقونة للحرية والصمود البشري في وجه الطغيان والظلم، وقريباً تعودون منتصرين كما خرجتم منتصرين.
غرب الفرات حرام على الميليشيات الكردية
المعارضة السورية تمهل ميليشيات “سوريا الديمقراطية” 3 أيام للانسحاب من غرب الفرات.
يأتي تهديد المعارضة عقب معارك جرت بين الثوار وقسد جنوب جرابلس إثر تحرير الثوار للمدينة وطرد داعش منها، فقد أصبح الثوار على تماس مباشر مع قسد التي تسيطر على منبج وريفها ولاسيما الشمالي، ويتزامن تهديد الثوار مع تصريحات كيري وبايدن عن وجوب انسحاب الكرد لشرق الفرات، ويأتي طلب كيري وبايدن تنفيذاً لعهود قطعتها واشنطن لتركيا تلتزم فيها بتراجع القوى الكردية لشرق الفرات، ويبقى كلام الأمريكان حقيقة نظرياً لا مصداقية له على أرض الواقع، فالمجلس العسكري الذي خلفته في منبج يأتمر مباشرة بأوامر القوات الكردية ناهيك عن المقاتلين الكرد، ومنع أي وجود للثوار في المناطق العربية، وربما أعطت المعارك في ريف جرابلس الجنوبي صورة واضحة عن كذب الميليشيات الكردية، والناطق باسم التحالف.
وتجد قسد صعوبة كبيرة بالانسحاب من منبج، فهي تشعر أن أمريكا تخلت عنها إرضاء لتركيا، وبدا واضحاً حجم الغضب والتخبط في صفوف الكرد. فقد شنَّ الكرد بعيداً عن منبج وجرابلس هجوماً على كلجبرين في ريف أعزاز لقطع الطريق إلى مارع. لكن الثوار تصدوا لهم وقتلوا عدداً وأسروا آخر، وبدا لافتاً هنا تدخل المدفعية التركية والطيران اللذين قصفا مواقع للكرد في ريف حلب الشمالي في تل رفعت وعين دقنة ومرعناز وغيرها.
الرد التركي في شمال حلب وشرقها يرسل رسالة واضحة للميلشيات بأن مشروعكم انتهى، وعليكم التقوقع في بعض المناطق فقط ريثما ينهي الكبار الطبخة التي يرونها مناسبة،لقد ارتكبت وحدات حماية الشعب الكردية خطأ استراتيجياً عندما تمددت خارج بعض المناطق، ولم تستفد من دروس التاريخ عندما رهنت نفسها للأمريكان والروس، واستعدت المحيط العربي.
تركيا بعد الانقلاب تختلف عما قبله، فالساسة والعسكر اليوم في خندق واحد، وهذا ما دفع أمريكا حقيقة لمراجعة حساباتها.
مشهدان يختصران حالة حلب
طفل حلبي ينادي بشكل هستيري أخته ريماس إثر قصف سوق شعبي في حلب.
طفلان صغيران من حي باب النيرب في حلب يبكيان ويحضنان بعضهما حزناً وألماً على موت أخيهما،حوّلت الطائرات الروسية والسورية حياة الحلبيين في المناطق المحررة لجحيم لا يحتمله البشر، ولا يتصوره العقل، إذ بلغ الإجرام حداً فاق الخيال، فيومياً عشرات الغارات تهدف لقتل المدنيين، وتدمير أية مقومات للبقاء، فبدأت طائراتهم بقصف ممنهج للمستشفيات والمدارس والأسواق، وعندما لم يبق شيء مما سبق، واصلت قصفها لبيوت المدنيين.
مايحصل في حلب إبادة جماعية ممنهجة برعاية دولية، فأمريكا هددت النظام بإسقاط طائراته في الحسكة من أول غارة ضد ميليشيا وحدات الحماية، وتصمت في حلب رغم علمها أن آلاف الغارات تستهدف المدنيين، وتشارك الأمم المتحدة بالجريمة، وتتحدث عن هدنة لساعات 48 لإدخال مواد غذائية دون أن تحرك ساكناً لوقف الموت القادم من الطائرات الروسية السورية، وكأنها تسمن السوريين ليذبحهم الأسد.
أخو ريماس، والأخوان من حي باب النيرب، وقبلهم عمران الذي فقد شقيقه عينةٌ لأطفال حلب الذين حُرِموا التعليم والرعاية الصحية، واللعب، حرموا أهلهم إخوتهم، والأسد يصر على ملاحقتهم لحصد أرواحهم، والعالم يتفرج.
الكيماوي مجدداً
تقرير للأمم المتحدة يدين النظام السوري صراحة باستخدام السلاح الكيماوي في هجومين.
لا شكّ أن النتيجة التي توصل لها فريق الأمم المتحدة والخبراء الدوليون صحيحة 100%، واللجنة المشكلة على درجة عالية من المهنية والنزاهة بحيث لا يرقى الشك للنتائج التي تم التوصل إليها، يذكر أن التقرير نفسه أدان تنظيم داعش الإرهابي باستخدام غاز الخردل ضد المدنيين في مدينة مارع شمال حلب، فالنظام والتنظيم يمتلكان عقلية وأسلوباً واحداً في الحقد والإجرام، وإن اختلف الخطاب شكلاً.
ويبقى السؤال ما الفائدة من الإدانة إذا ترك المجرم طليقاً، أو على الأقل لم يوقف عند حده. وللسوريين تجربة مريرة مع مؤسسات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، فقد قُيدت جريمة الغوطة التي ذهب ضحيتها أكثر من 1500 مدني ضد مجهول مقابل تسليم سلاح الجريمة.
وهذا ما يترك شكوكاً ليس في التقرير بل في كيفية استثماره من القوى الكبرى لتحقيق مكسب جديد، فكل يوم يسقط عشرات الشهداء السوريين بسلاح الطيران السوري والروسي، وهذه جرائم حرب واضحة، فلماذا يُحرك ملف الكيماوي الآن؟! هل بقي لدى النظام السوري ما يتنازل عنه؟
نكاد نجزم أن الدول المؤثرة تريد ابتزاز النظام في أشياء لا نعرفها، وستكون الأيام كفيلة بكشفها.
اتفاق الحسكة مصالحة أم استسلام
نظام الاسد وميليشيات الحماية الكردية يتوصلان في مطار حميميم برعاية روسية لاتفاق وقف إطلاق النار.
لم يكن ما حصل في مطار حميميم اتفاقاً بل عملية تسليم مفضوحة، فقد سلّم النظام السوري الحسكة على طبق من ذهب للميليشيات الكردية، وهو الذي أصدرت قيادة جيشه بياناً عسكرياً اعتبرت فيه قوات الأسايش تنظيماً إرهابياً، فكيف تسلم محافظة سورية لتنظيم إرهابي. والأدهى أن الاتفاق نص على تولي التنظيم الإرهابي حفظ الأمن بعد طرد عناصر الجيش السوري خارج الحسكة.
ونص البيان على بقاء المربع الأمني الذي يشمل الدوائر الحكومية 5% من محافظة الحسكة بيد النظام على أن تتولى قوات الشرطة لا الجيش حمايته، ووافقت القوات الكردية على بقاء ذلك المربع 5% للحصول على الخدمات الرسمية من جوازات سفر وغيرها، فضلاً عن ابتزاز النظام في مسائل أخرى.
وبالعودة للأصل فإنّ النظام من صنع الأسايش، وهو من مكنها من السيطرة، وسعى لذلك، وليس ذلك غريباً عن عقلية النظام المخابراتية المستعدة التضحية بكل شيء من أجل الأسد.
فالنظام أراد من تسليم الحسكة أمرين :
الأمر الأول: محاولة التقرب من تركيا من خلال تهديدها بقيام كانتون كردي جنوب حدودها، وهي وإن كانت محاولة بائسة محكوم عليها بالفشل لكنها تبقى محاولة.
الأمر الثاني: التمهيد لإقامة دويلة علوية في حال سقطت حلب بيد الثوار، لأن تحرير حلب سيلحقه حكماً تحرير حماة، وبالتالي يقول النظام لجماعته: الكرد أنشؤوا دولة، والسنة دولة، فعلينا بناء دويلتنا.
قد يبدو ذلك غريباً بعض الشيء، لكن هذا هو الواقع، وهذه هي العقلية التي يفكر بها النظام ويدير من خلالها سورية منذ أكثر من نصف قرن.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.