الرقة تذبح بصمت
منذ أكثر من عامين وتنظيم داعش يجرّع سكان المناطق التي سيطر عليها ترياق الذلّ، فارضاً سياسته بقوة السوط٬ وجبروت السكين٬ وهاهي الآثار الجانبيّة لهذا الترياق تظهر على أرض الواقع، فلم يقدّم داعش لأهالي المناطق التي يسيطر عليها، أو التي خرجت عن سيطرته ابتداءً من منبج ومروراً بالرّقّة ووصولاً إلى الموصل٬ سوى جلب القصف والترهيب والقتل.
لقد عمل التنظيم وبعد تمكّنه من الأرض على هدم جميع مظاهر الحياة المدنيّة والعودة بالبشريّة إلى سيرتها الأولى، مغلقاً المدارس والجامعات وليحول عدداً منها إلى معتقلات وسجون٬ لا تقل ببشاعتها عن سجون الأسد وصدام حسين٬ ومليشيات الحشد الشيعي في العراق، مؤديّاً بهذا العمل إلى إفراغ المناطق من كوادرها العلميّة من أطباء ومهندسين و مدرّسين، بعد أنّ عمد على التضيق عليهم وترهيبهم, كما وعمل التنظيم على إلحاق الأطفال والطلّاب بحلقات دينيّة هادفاً لغسل أدمغتهم وتصيرهم مقاتلين أو قاتلين لصالح حكمه، وبحجة التعليم جعلهم مطواعين لتنفيذ أعمالهم الإرهابيّة.
كما فرض سيطرته على المشافي ومراكز العناية الطبيّة، لتكون تحت خدمة مقاتليه فقط، ولتصبح مأجورة بعدما كان قسم منها يقدّم الطبابة بالمجان٬ ليكون السبب الرئيس في تفشي الأمراض والأوبئة٬ وتردي الوضع الطبي في مناطق سيطرة التنظيم.
وللتنظيم تاريخ طويل٬ بإصدار أحكام الإعدام التعسفيّة لتكون عِبرة لمن ينوي الوقف في وجهه والعمل بعكس فكره ومنهجه٬ إضافة إلى اصدار قوانين الحياة اليومية بشكل مستمر والتضييق عليها٬ وفرضها بقوة السوط على يد شرطة “الحسبة”.
كما عمل على تضييق الخناق على معيشة المواطن من خلال رفع أسعار المواد الغذائيّة٬ ورفع سعر الخدمات من ماء وكهرباء وهاتف ومحروقات وجعلها ضمن قانون “الخصخصة “، لتتولد ظواهر الفقر والجوع والمرض، بهدف الضغط عليهم واستغلال حاجتهم من أجل إلحاقهم بصفوفهم.
كلّ هذه الآثار والمخاطر التي نتجت عن احتلال داعش لا تقارن بالخطر الأكبر على الصعيد العسكريّ المتمثّل بتسليم الأراضي، والتي كان آخرها منبج فقد قدّمها على طبق من ذهب لوحدات الحماية الكرديّة، مثلها مثل باقي المناطق التي سلّمها كتلّ أبيض، وعين العرب، وليس بفترة بعيدة سيتخلّى عن مدينة الباب، ويهبها كباقي أخواتها٬ مساهماً في سلب الأرض من سكانها العرب٬ والتي عمدت القوات الغازية على تهجيرهم٬ مُنفذّاً بذلك مخطّطاً، يهدف إلى تغيير ديموغرافي في الشمال السوريّ، وذلك من خلال جذبه لطوائف ومذاهب متمثلة بالحشد الشعبي ّ في العراق، ووحدات الحماية الكرديّة في سوريا ، والمدعومة بتحالف جويّ دوليّ٬ بحجة إقامة أرض الخلافة للبغدادي٬ وعناصره الباحثيين عن السلطة والمال.