لطالما واكب شعر الحماسة في الإسلام فتوحاته، فعمل على شحذ همم النفوس المقاتلة عبر أناشيد باعثة على البطولة لتكون بعد الإيمان أحد أسباب النصر ونشر الدين، ومع انطلاقة الثورة السوريّة عام 2011 عاد هذا النوع من الأناشيد الحماسيّة التي تشيد ببطولات الثورة والثوار واستهجان الظلم للظهور.
وما إن ظهر تنظيم “داعش” وقلب موازين الثورة على الأرض، حتى أخذ يعرض بطشه ووحشيته من خلال الأناشيد الحماسيّة التي أشارت تقارير عدة إلى أنّ التنظيمات الإرهابيّة وعلى رأسها “داعش” تعمل على استخدامها كونها تحمل تعابير لفظيّة تعكس وحشيّتها وبطشها ضدّ كلّ من يخالفها الرأي.
ويُسجّل في رصيد “داعش” مئات من الأناشيد المحرّضة على العنف، تميّزت بمفردات رنّانة وعميقة المعنى، أبرزها “صليل الصوارم” ذات التأثير الأكبر في جذب المقاتلين وبخاصة الأجانب، لما تضمّنته من توريّة وتشبيهات خفيّة تؤثر في المسامع والعقول كقولها “وكاتم صوت جميل صداه”، فضلاً عن تصوير ساحات المنايا وحياة ما بعد الموت “في جنة خلد يغدو عزاه”.
يضاف إلى ذلك، تداخل المؤثرات الصوتيّة بين كلمات هذه الأناشيد، كقعقعة السيوف وحمحمة الخيول، والتي تعيد المستمع، بحسب تصوّر التنظيم، إلى أمجاد المسلمين وتستنهض الهمم والنفوس البشريّة.
ووفق دراسة لإحدى دور الإفتاء فإنّه “من خلال هذه الأناشيد نستطيع الغوص في قلب التنظيم ومعرفة ماهيته، لما تحمله من خصائص تروّج للقتال وتحضّ عليه وكذلك قراءة عقيدة التنظيم العسكريّة وأفكاره وسلوكيّاته”، فيما ترتكز موضوعات الأناشيد على الشهادة والجهاد المسلّح باعتباره الحلّ الوحيد أمام المسلمين ووصف الحالة السيئة للأمتين العربيّة والإسلاميّة ووجوب الدفاع عن الدين الإسلامي بالجهاد في سبيل الله.
وكشف التقرير أنّ هذه النوعيّة من الأناشيد تخضع لتقنيّة عالية من خلال المؤثرات والفواصل المصاحبة لها، وكذلك استخدام اللغة الناريّة التي تعتمد مفردات الحرق والذبح والتدمير، إلى جانب وصف الغرب بالكافر الذي يسعى جاهداً لتدمير الإسلام و إبادة أهله .
ورصد التقرير أنّ ما يميّز هذه الأناشيد عن غيرها أنّ التنظيم يلجأ لها بغرض التهجّم على خصومه عامّة وبيان كفرهم وعمالتهم للغرب واصفاً إيّاهم بالملاحدة والمرتديّن، كما يلاحظ من خلال سماع هذه الأناشيد تردد ذكر اسم أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم “داعش” وإظهار مشاعر البهجة والفرح لحظة إعلان الخلافة كنشيدة “راصّوا الصفوف وبايعوا البغدادي”، إضافة إلى زرع فكرة البيعة والامتثال لأوامر “الخليفة”.
وإلى جانب عنف المفردات التي تتوعّد بالذبح والحرق، يكتمل المشهد وتتشكّل صورة دمويّة في عقول مقاتلي التنظيم، تنعكس عنفاً فعليّاً على أرض الواقع، كنشيد “قريباً قريباً ترون العجيبا” الذي تجلّى سريعاً في أعمال التنظيم الإرهابيّة في دول أوروبيّة عدة، كان آخرها الهجوم على كنيسة في إحدى المدن الفرنسيّة والذي انتهى بمقتل كاهن، في حين يرسم نشيد “أبو بكر يا بغدادي يا مرهب الأعادي” هالة “الخليفة” لتصويره كمخلّص الأمّة وقاهر أعدائها.
أمّا أبرز العوامل المساعدة على انتشار هذه النوعيّة من الأناشيد، فقد عزاها التقرير إلى مواقع التواصل الاجتماعيّ المختلفة التي يعتمد عليها التنظيم وتتوفر بين أيدي الجميع وتنتشر بسرعة، كما عمل على الاستفادة من تقنيّات السينما الغربيّة من خلال طرق العرض وتهويل الحدث، فبحسب مصادر من التنظيم فإنّ الأخير يمتلك ما يقارب 20 حساباً على موقع تويتر، ناهيك عن آلاف الحسابات الأخرى غير الرسميّة التابعة لأنصاره، تضاف إلى إذاعة “البيان” التي يبثّ من خلالها أفكاره.
وبالنسبة للتأثير النفسيّ للأناشيد الحماسيّة، فيسعى التنظيم من خلالها للسيطرة على تفكير الإنسان ليتكون لديه الحافز للدفاع عن أهداف التنظيم الذي يحرص دائماً على إيصال أناشيده لتكون جزءاً من حياة الناس اليوميّة عن طريق نشر نقاط إعلاميّة في مناطق سيطرته، أو تسيير سيّارات في الشوارع تبثّها بصوت مرتفع، فيما لاتخلو سيارات مقاتليه من هذه الأناشيد كي تعزز في أنفسهم روح القتال وعدم الشعور بالرهبة والخوف.
ويبقى وقع هذه الأناشيد على الأطفال أو من هم في عمر المراهقة الأقوى، لما تحمله كلماتها المؤدلجة من تأثير مباشر على أفكارهم وسعيها لغسل أدمغتهم.