الرقة تذبح بصمت
ترسخ لدى شعوب العالم والمنطقة أنّ داعش يعتبر أعقد وأقوى تنظيم إرهابي شهده العالم في القرن العشرين، وقد تسنى ذلك له بفضل التغاظي الدولي عن نشوء التنظيم، ونتيجة للتطرف المضاد الممثل بالنظام السوري ذو الطابع العلوي، والمليشيات الشيعية في العراق، إضافة للمجموعات المتطرفة القومية كالأكراد مثالاً في سوريا والعراق، والذي دفع الكثير من الشباب السنة للدفاع عن وجودهم بالإنضمام إلى التنظيم، إضافة إلى غنى المنطقة الواقعة تحت سيطرته بالموارد الباطنية والزراعية، فضلاً عن اتباع داعش أفضل أساليب الكسب التي تتبعها العصابات الإجرامية باختلاف أشكالها، كالتهريب والأتاوى تحت مسمى “الزكاة”.
وقد أشارت تقارير إقتصادية، إلى أنّ ايرادات داعش تتراوح مابين ١-٤ مليون دولار يومياً، لتغطي نفقاتها اليومية على الأسلحة ورواتب المقاتلين والعامليين في صفوف التنظيم، حيث راكم التنظيم قوته الإقتصادية والعسكرية على مدار سنوات دون عوائق تذكر، وكان أهم مصادره الإتجار بالأسلحة، والفدى التي جناها من عمليات الاختطاف، إلى جانب تكرير النفط وبيعه، وتهريب القطع الأثرية الثمينة، وفرض الضرائب على الأعمال التجارية في المناطق التي يحتلها واستيفاء الرسوم على نقاط التفتيش.
وقد بذل التنظيم جهداً واعياً ليستقل مالياً، فهو لا يثق بأحد ولا يعتمد على أحد، وإنما يريد الوصول إلى الاكتفاء الذاتي التام، من جهة أخرى، يقول المحلل تشارلز ليستر من مركز بروكنغز، الدوحة: “لقد حملت داعش الرقابة الشديدة والسرية والتنسيق إلى مستويات أخرى، عبر تحقيقها مستوى مذهلاً من البيروقراطية، وطريقة متطورة لحفظ الحسابات، بالإضافة إلى اتباعها قنوات عديدة فيما يتعلق بالمساءلة”.
يشكل النفط ركيزة أساسية في موارد داعش الاقتصادية، وقد خاضت المجموعة لأجله معارك طاحنة مع النظام السوري والمجموعات الجهادية الأخرى في سوريا كجبهة النصرة, لتسيطر في نهاية المطاف على ما يعادل 60 % من حقول النفط في سورية، فضلاً عن الكثير من أصول إنتاج النفط العراقية على الجهة الأخرى من الحدود.
ومن الوقائع المثيرة للجدل أن داعش تبيع النفط لنظام الأسد، وفقاً للعديد من المصادر المستقلة التي تنطوي على دراية وثيقة بالمسألة، حيث يترك النظام “الأضواء منارة” في بعض المدن الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة الاسلامية في مقابل براميل النفط، ويعتبر النفط أحد مصادر التمويل المهمة جداً والتي يقدر إيرادها اليومي بالنسبة للتنظيم بحوالي ٢ مليون دولار يومياً، كما تتيح له سيطرته على الشريط الحدودي الطويل مع الدول الإقليمية المجاورة إمكانية تهريب حوالي ٣٠٠٠٠ برميل من النفط الخام يومياً، بسعر يتراوح بين ٢٥-٦٠ دولار للبرميل الواحد.
ولا يعتبر النفط هو المصدر الوحيد للتمويل، حيث يسيطر داعش على مصادر الماء والغذاء لتعزيز أهدافه وسيطرته، فيتعبر القمح ومصادر الماء والكهرباء، أحد أهم تلك المصادر حالياً، حيث أخضع التقدم المستمر لداعش في شمال العراق مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية الرئيسية لسيطرتها، بحيث أصبحت تسيطر الآن على حصص ضخمة في المحافظات العراقية الخمس الأكثر خصوبة، والمسؤولة عن إنتاج 40 % من محصول القمح العراقي. هذا بالإضافة إلى غنائم القمح التي استولى عليها داعش (والمقدرة بنحو 40 إلى 50 ألف طن من القمح) إثر مداهمتها صوامع تخزين القمح الحكومية في المناطق العراقية الشمالية.
وعلى صعيد الثروة المائية، استطاعت داعش أن تُخضع مسطحات مائية كبيرة لسيطرتها، مثل سد الموصل في العراق الذي استولت عليه المجموعة لفترة محدودة، وسد “الطبقة” في محافظة الرقة، المعروف بكونه يولد الكهرباء لحلب والمناطق المجاورة، وقد أبقت داعش على طاقم العمل الذي يشغله دون مساس حتى يستمر في عمله بشكل طبيعي.
بهذا، قدم النشاط والتنظيم المدروس لداعش فكرة للعالم بعد الحقائق الاقتصادية المكتشفة مؤخراً، وهي أن داعش قد تؤول إلى أن تصبح أخطر حتى من تنظيم القاعدة نفسه في حال استمرت على نفس المنوال.