خاص – الرقة تذبح بصمت
لطالما تميّزت محافظة الرقّة باقتصادها المتنوع متنوّعاً، إذ كانت مساهِماً لا بأس به في الاقتصاد السوريّ المحلّيّ، سواء في مجال الزراعة والثروة الحيوانيّة أو في استخراج النفط. وبعد انطلاق الثورة السوريّة، شهد مجال العقارات نشاطاً واسعاً بالنسبة لسوق السلع والمبادلات التجاريّة، على خلفية لجوء أعداد كبيرة من النازحين من مختلف المحافظات إلى بين الرقة عامي 2012و2014، وهو ما أسهم في انتعاش اقتصادها، إلى جانب التبادل التجاريّ مع تركيا الذي ترك أثراً كبيراً في انتعاش اقتصادها بعد تحرير الرقة من قوات النظام وسيطرة الجيش الحرّ عليها، ما أتاح بالتالي الفرصة لزيادة السيولة من خلال ضخ العملة الأجنبيّة في السوق.
ومع سيطرة تنظيم “داعش” على الرقة تبدّل حالها وأخذ وضعها الاقتصادي يتدهور، إذ عمل الأخير على استنزافها واستنفاد جميع مواردها، بعدما وجّه أنظاره إلى منطقة الجزيرة طمعاً بالنفط وبهدف وضع حجر الأساس لإقامة دولته المزعومة.
وعلى الرغم من صعوبة تحديد مكاسب التنظيم من النفط السوري، إلّا أنّها تقدّر بين مليون وثلاثة ملايين دولار يوميّاً، أي قرابة خمسة آلاف برميل، بينها 1600 برميل من الرقة وحدها، وهي أرقام خياليّة تطرح التساؤل عن وجهة هذا النفط وهوية الدول المستفيدة منه، وبخاصة أننا لاحظنا أنّ النظام السوريّ لايزال يحصل على النفط على الرغم من أنّ الآبار في منطقة الجزيرة كلها تحت سيطرة التنظيم، حتّى أن الدعم النفطي الإيراني للنظام لم يكن ليسدّ حاجته، ما يشير إلى وجود صفقات بين التنظيم والنظام تيسّر للأخير شراء النفط.
وتفيد بعض المعلومات بأنّ “والي” الرقّة أبو لقمان هو عرّاب النفط بين داعش والنظام، فيعمل على تأمين احتياجات الأخير اليوميّة من النفط والغاز فيما يبيع الفائض إلى تركيا، إمّا من أجل تقارب ودّي لتيسيير عمليّات شراء أسلحة وعبور مقاتلين أو من أجل الحصول على بعض المعلومات الاستخباراتيّة.
وتعتبر حقول الحباري جنوبي ّ الطبقة وحقل الثورة، من أهم الحقول النفطيّة التابعة لمحافظة الرقّة، فقد عادت في السنوات الثلاث الماضيّة بالمنفعة على الجيش الحرّ وأبناء المنطقة، مع انتشار ظاهرة الحرّاقات التي تعتمد على استخراج النفط وتكريره بطريقة تقليديّة، وهو ما ساعد في رفع مستوى الرقّة الاقتصاديّ إلى أن جاء التنظيم ووضع يده بشكل كامل على جميع الحقول النفطيّة وبذلك كان أول العوامل التي أدت إلى تردّي الوضع الاقتصادي، إذ تابع استخراج النفط بنفس الطريقة التقليديّة قبل أن يتراجع إنتاجه مع ضربات التحالف الدولي صيف عام 2014.
وإلى جانب النفط، فإنّ اقتصاد “داعش” يعتمد على سدي الفرات والبعث اللذين يولّد من خلالهما الطاقة الكهربائيّة ويصدّرها إلى مناطق النظام، واللذين بلغ إنتاجهما مع سد تشرين في ريف حلب عام 2013، 2.9% من إجمالي الطاقة.
أمّا الزراعة، فتعتبر الإنتاج والمردود الأهم والأكبر لمحافظة الرقّة، حيث تبلغ المساحة الزراعية نحو 43%، ويعد القمح أهم المحاصيل الموجودة فيها. وكان تنظيم “داعش” قد سيطر على صوامع الرقّة، وأهمها صوامع عين عيسى والبوعاصي في الريف الشمالي، قبل سيطرة قوات سوريا الديمقراطيّة عليها، وبالتالي فقد استطاع التحكم بمخزون كبير من القمح يقدّر بنحو 600 ألف طن تستهلك منه الرقّة وفي ظل النزوح السكانيّ الكبير أقل من مئة ألف طن.
وبحسب ناشطين، فإنّ التنظيم يبيع كميّات محدودة من القمح المخزن في الرقّة لمناطق النظام وكذلك يصدّره إلى مناطق سيطرته في العراق إضافة إلى أنواع أخرى من المنتجات الزراعيّة، كما يعمل على تشجيع المزارعين على إنتاج القمح بعدما انخفض إنتاجه إلى نحو 300 ألف طن، ناهيك عن فرض الضرائب على المزارعين مقابل الإنتاج والارتفاع الحادّ في سعر مادّة الخبز والتي يقدّر سعر الرغيف الواحد منها بحوالي 30 ليرة سوريّة .
وفي الإطار نفسه، تواجه الثروة الحيوانيّة خطر الانقراض بسبب تهريب المواشي إلى تركيا والعراق، في وقت يفرض فيه التنظيم الضرائب عليها أيضاً، كما تعدّ الآثار من أقوى مصادر اقتصاد التنظيم الذي نقّب في كلّ المراكز الأثريّة في الرقّة وباع محتوياتها التي يعود أغلبها إلى العهد العباسي لتجار أوروبيين عبر تركيا مقابل ملايين الدولارات.
أما المورد الأهم والأخطر فهو البشر من أبناء الرقّة الذين يستغلهم “داعش” بسبب الفقر وانعدام فرص العمل في التجنيد وتنفيذ عمليّاته الإرهابيّة وبخاصّة الأطفال منهم، كذلك من خلال استنزاف شباب المنطقة والزجّ بهم في حروبه الخاسرة، أو من خلال ذبحهم وإعدامهم بطرق شتّى وبتهم ملفقة.