خاص – الرقة تذبح بصمت
أطلق نظام الأسد في بداية شهر حزيران الجاري حملة عسكرية مركزة ترمي لاستعادة السيطرة على مدينة الرقة معقل تنظيم داعش، وقد عمل النظام كعادته على تسخير القنوات الاعلامية العربية والعالمية التابعة أو المتناغمة معه لشن حملة إعلامية مكثفة بالتزامن مع حملته العسكرية.
بدأ النظام جهوده العسكرية في المنطقة بالتقدم على محور إثريا-الرصافة متقدما باتجاه مدينة الطبقة ومطارها العسكري الذي يقع جنوب المدينة ويعتبر من أبرز المواقع الاستراتيجية في المنطقة الشرقية وبوابة الدخول إليها، وفي الأثناء بدأت وسائل الإعلام التابعة للنظام بالترويج لانتصاراته “العظيمة” وتبشر مناصروه بأن قوات الجيش قادمة لـ”تحرير” مدينة الطبقة تمهيدا للسيطرة على مدينة الرقة ودير الزور في وقت لاحق.
الجدير بالذكر أن قوات الأسد باشرت هذه الحملة بالتعاون مع مجموعة المليشيات المحلية والإقليمة المتحالفة معها، بالاضافة إلى ما يسمى بمجموعة “صقور الصحراء” المدربة روسياً، وهي عبارة عن خليط من الشبيحة والمرتزقة من عموم المنطقة الشرقية لا سيما الرقة ودير الزور والسلمية، إضافة إلى مليشيات من عناصر سورية وأجنبية تابعة لحزب الله والمليشيات الإيرانية المتعددة.
وقد ترافقت الحملة المذكورة بمشاركة فعالة من الطيران الروسي الذي تكفل بالتمهيد الناري وتغطية القوات المتقدمة التي استطاعت التوغل داخل الحدود الإدارية لمحافظة الرقة وتمكنت من الوصول إلى مسافة تقل عن 14كم من مطار الطبقة العسكري فضلا عن السيطرة على حقل الثورة النفطي.
وبالنظر إلى طبيعة الأرض التي تقدمت فيها قوات الأسد نجد أنها عبارة عن منطقة صحراوية مكشوفة لا تحتوي على مواقع استراتيجية أو مواقع ذات طبيعة جغرافية محصنة، الأمر الذي يجعل مهمة التمركز فيها والحفاظ عليها لمدة طويلة مهمة بالغة الصعوبة لجميع الاطراف المتصارعة.
و هذا ما حصل بالفعل، فقد قام تنظيم داعش خلال اليومين الفائتين بشن هجوم معاكس أرغم فيه قوات الأسد على الانسحاب إلى النقاط التي انطلقت منها والخروج بشكل كامل من الحدود الإدارية للمحافظة.
وقد اسفرت هذه الحملة عن مقتل العشرات من قوات الأسد والمليشيات التابعة لها، بالإضافة إلى خسارة كبيرة في الآليات والعتاد العسكري، وبالمقابل عمل تنظيم داعش على سحب قسم من جثث الميليشيات المهاجمة وعرضها في الطرقات والساحات العامة في الطبقة وسائر أرياف مدينة الرقة.
وفي الأثناء عمد الطيران الروسي إلى تكثيف غاراته على المنطقة في محاولة منه لتخفيف الضغط عن القوات المهاجمة والتغطية على فشلها الذريع، وذلك من خلال قيامها بعشرات الغارات التي استهدفت مدينتي الرقة والطبقة ونتج عنها استشهاد العشرات وجرح المئات من السكان المدنيين.
وفي المحصلة فإن النتائج التي تحققت من هذه الحملة انصبت في معظمها لمصلحة التنظيم المتطرف الذي انتهز الفرصة التي قدمها له النظام على طبق من ذهب ليثبت للسكان المحليين قدرته على حمايتهم والدفاع عن المناطق الواقعة تحت سيطرته من جهة، كما اسهمت من الجهة الأخرى في التغطية على هزائم التنظيم المدوية والمتلاحقة في العراق وريف حلب الشمالي والشرقي.
وفي المقابل فإن نظام الأسد سعى جاهدا من خلال هذه الحملة العسكرية والإعلامية المرافقة لها إلى نشر الأكاذيب وتضخيم الانباء عن التقدم الوهمي الذي حققه في صحراء الرقة، في محاولة مكشوفة للتغطية على خسائره الكبيرة في ريف حلب الجنوبي من جهة، كما أنه استهدف من جهة أخرى أعادة تسويق نفسه دوليا وإظهاره كطرف فاعل وجدي في محاربة الإرهاب من خلال مواجهة التنظيم وتهديده في معقله الرئيس وعاصمته الرقة.
وفي الختام تجدر الإشارة إلى أن الحملة العسكرية التي شنها نظام الأسد لمواجهة تنظيم داعش في مدينة الطبقة بريف الرقة الغربي قد جاءت برعاية روسية ومشاركة جوية فاعلة من طرفها، كما أنها تزامنت بشكل مريب ومثير للانتباه مع إنطلاق الحملة العسكرية التي شنتها قوات الحماية الكردية ضد التنظيم في مدينة منبج بريف حلب الشرقي، والتي جاءت بدورها بمباركة أمريكية ومشاركة جوية فاعلة ومؤثرة.
وقد ألقى هذا التزامن بظلال من الشك والريبة على ماهية العلاقة بين هذين القطبين الدوليين ومدى التضارب أو التناغم بين سياساتهما فيما يتعلق بالحرب السورية بشكل عام والصراع الدائر ضد تنظيم داعش بشكل خاص، ولكن يبدو أن المحصلة الأولية والنتيجة الظاهرة للعيان من هذه العلاقة الملتبسة لا تبشر باي خير سواء لسكان الرقة أو عموم الشعب السوري طالما أن كليهما ما زال يصر على دعم الأطراف التي لطالما أمعنت في قتله وإذلاله وتهجيره وتغيير ديمغرافية الأرض التي عاش عليها منذ قرون.