يتسابق مسؤولو الولايات المتحدة الأمريكية في تصريحاتهم حول دعم بلادهم لـ”قوات سوريا الديمقراطيّة” بهدف دحر تنظيم “داعش” ومنع تقدّمه باتجاه الأراضي السوريّة الممتدّة إلى تركيا والتي يعتبرها الأخير همزة وصل لإيصال مقاتليه الأجانب من أوروبا وإليها.
ويقتصر هذا الدعم، حسب الأمريكان، على الاستشارة والمراقبة عن بُعد، إلى جانب ضربات التحالف الجويّة وقصف المدفعيّة التركيّة, إلا أنه أثبت وجود قاعدتين عسكريتين أمريكيتين، إحداهما في تل أبيض والأخرى في عين العرب “كوباني”، فبعد سيطرة “قوات سوريا الديمقراطيّة” على تل أبيض وعين العرب, بدأت تلتفّ على مدينة (منبج)، مركز ريف حلب الشرقي، لتحقق امتداداً بنحو 400 كيلومتراً، فماذا ينتظر منبج بعد خروج “داعش”؟ وهل ستتغيّر المعادلة العسكريّة على الأرض فيما لو سيطرت قوات سوريا الديمقراطيّة عليها وبخاصّة أنّها تبعد مسافة خمسة كيلومترات عن مركزها، باعتبار أنّ منبج هي المدينة الثانية من ناحية المساحة بعد حلب، كما أنّها الرئة التي يتنفّس بواسطتها تنظيم “داعش” كونّها تشكّل خطّ الإمداد الواصل من جرابلس عبر منبج إلى الرقّة مروراً بالعراق، فضلاً عن أنّها تعتبر أكثر أهميّة من ناحية القيمة الاستراتيجيّة مقارنةً بالفلّوجة التي جهّز الأميركان والعراقيين لمعركتها، إذ أنّهم رغم كلّ ما أعدّوا لها من الجيش وميليشيا الحشد الشعبيّ وجيش العشائر ومكافحة الإرهاب فهم لايزالون على أطرافها الخارجيّة، أي أنّ التنظيم إن أراد أن يقاتل في منبج فعلينا أن نتوقّع كوباني جديدة أو فلوجة جديدة، لكن علينا ألا نتوقّع نهايات المعركة، وإذا ما صحّت مقولة أنّ مقاتلي تنظيم داعش يُخرجون عوائلهم ويهربون، فعلينا هنا أن نطرح تساؤلات وعلامات استفهام كبيرة، هل نحن أمام استلام وتسليم كما جرى في تدمر التي سُلّمت وتمّت استعادتها.
فحتّى اليوم سلّم “داعش” أكثر من 33 بلدة ولم يحافظ على المناطق التي دخلها وبخاصّة أما قوّات سوريا الديمقراطيّة، وكأنّ العمليّة تنسيق مشترك، فطبيعة معركة منبج هي من سيُجيب على كل هذه التساؤلات، فإذا سلّم التنظيم منبج بنفس السهولة التي سلّم بها المناطق التي كان يسيطر عليها لقوّات سوريا الديمقراطيّة فسيبدو أنّ تنظيم الدولة (الجناح السوريّ) مخترق حتى النخاع ولغاية الصفوف المتقدّمة من القوات القتاليّة.
وهنا نستطيع أن نجزم بصحة التقارير المشكّك بها إلى الآن والتي تفيد بأنّ نحو 84 ضابطاً من قوى الأمن السوريّ والأجهزة الأمنيّة يتولّون مناصب قياديّة في صفوف تنظيم “داعش” في سوريا، وبالتالي ما علينا إلّا أن نترقّب معركة منبج، فمن الممكن أنّ التنظيم ضحّى بالأراضي غير التعبويّة من أجل الاقتصاد في القوّة وخوض المعركة الرئيسيّة في منبج، فإذا دافع عن منبج دفاعه عن الفلوجة الآن فإنّ جميع تساؤلاتنا هذه ستحسم سلباً، لكن إن سلّمها فسنقول إنّ الاستلام والتسليم قد بدأ، لأنّ حجم القوّات الكرديّة يقدّر بخمسة آلاف مقاتل بغضّ النظر عمّا يقول الأمريكيون بأنّ 90% منهم عرب، فيما تقول التقارير إنّ 75% هم من الأكراد، إلا أنّ تسليحهم ليس قويّاً كما أنّ مهاراتهم القتاليّة ليست متميّزة وإدارتهم للمعركة ليست خارقة للعادة، لكن الحقيقة أنّه لم يتم خوض معارك حاسمة حتى اللحظة، وهذا ما يعزز أبرز المخاوف بأنّ تنظيم “داعش” يؤدّي دوراً رُسم له بأيدي سلطة أميركيّة منتهية ولايتها وبخاصّة أن الرئيس الأميركي “باراك أوباما” ينتظر إجلاء مقعده في البيت الأبيض إضافة إلى أنّ سياسة الرجل معروفة بكونها خدمت نظام الأسد وتنظيم “داعش” وإيران سويّة داخل سوريا، كما أننا لا نريد الخوض في تصريحات أوباما حول رحيل الأسد، وحول أنّ محاربة داعش هي محاربة لنظام الأسد، لنجد أنّ زجّ قوات سوريا الديمقراطيّة هو محاربة لـ”داعش” من جهة، ودعم لنظام الأسد من جهة أخرى، فضلاً عن كونه صبّ أساس لـ”الدولة الشريطيّة” إن صحّ المعنى “كوريدور كوردستان”.