الرقة تذبح بصمت
عام على هجرة أهالي بلدة سلوك ولا عودة حتى الآن
مرت الأسبوع الماضي الذكرى الأولى لحادثة تهجير أهالي سلوك في ريف الرقة الشمالي التي يقطنها حوالي 24 الف نسمة. وقد حاول الأهالي العودة عدة مرات لكن دون جدوى، وقد استخدمت قوات قسد ضدهم في المرة الأخيرة الرصاص الحي قبل أقل من شهر. ويوضح هذا الخبر حال كثير من المناطق التي سيطرت عليها قسد، إذ تشهد غالبية المناطق التي تسيطر عليها قسد عمليات تطهير عرقي تهدف لتغيير ديمغرافية المنطقة، وصبغها بلون معين يرضي تطلعات قوات الحماية الكردية التي لها القول الفصل في قسد.
فعند طرد داعش من عين العرب منعت القوات الكردية أهالي أكثر من سبعين قرية عربية من العودة، ويأتي في السياق نفسه صرين التي ما زال قسم كبير من أهلها ممنوعاً من العودة، بل وصل الأمر لتهجير مدن عربية الطابع 100% وهو ما لم تفعله إسرائيل مع الفلسطينيين إذ تمنع حتى تاريخه عودة أهالي تل رفعت عقب السيطرة عليها بمؤازرة الطيران الروسي.
ويبدو واضحاً من خلال هذه العمليات سعي قوات الحماية الكردية الحثيث بناء كانتون كردي دون مراعاة السكان الأصليين بل ودون أخذ رأي الكرد أنفسهم، وهو ما يتنافى مع ادعاءات قوات الحماية الشعبية حول الديمقراطية وحقوق الإنسان، إذ يدرك الكرد العقلاء -الغالبية الساحقة- أنهم لا يستطيعون العيش بمعزل عن المحيط العربي، كما يدركون أن هذه التصرفات الرعناء ستُورِثُ أحقاداً بين العرب والكرد فلن ينسى أهل سلوك وتل رفعت وغيرهم ما حصل لهم، وسيُحمَّل الكرد جميعاً وزر تصرفات حزب ي ب د.
حملة “سوريا” تتهم الأمم المتحدة بالانحياز لصالح النظام، وفقدان النزاهة والاستقلال والحيادية
عرَّت حملة (سوريا) التي تضم 55 منظمة غير حكومية المواقف والممارسات المخزية للأمم المتحدة في سورية، وكانت بيان الحملة دبلوماسياً إذ أشار إلى أن عمليات الإغاثة التي تديرها الأمم المتحدة تنتهك المعايير الإنسانية للمنظمة الدولية، ولم يشر صراحة لانحياز الأمم المتحدة الكامل لصالح النظام على حساب معاناة السوريين وآلامهم، واكتفت الحملة بالقول: إن تلك الانتهاكات تهدد بجعل الأمم المتحدة طرفاً للنزاع.
ولا بدّ من القول هنا أنّ الأمم المتحدة لا تسرق قوت السوريين وحسب بل تساهم بذبحهم، فجزء لا بأس له من الأموال المقدمة تذهب كرواتب ونفقات لموظفي الأمم المتحدة، وتتجاوز النفقات أحياناً 25% من قيمة المساعدات.
أما ذبح السوريين فيتمثل بذهاب مساعدات الأمم المتحدة الغذائية والطبية والعينية لصالح النظام بدعوى أن الأمم المتحدة لا تتعامل إلا مع الهيئات الحكومية، وبالتالي يسرقها النظام، ويوجه القسم النافع منها لصالح الجيش الذي يقتل السوريين، علماً أن النظام لا يوزع على المواطنين إلا مواد غذائية رديئة لا تصلح علفاً للحيوانات كالرز والعدس والحمص مثلاً مما يثير شبهات حول عقود توريد هكذا نوعيات، ولا يقدم للسوريين معلبات الأجبان واللحوم والمربيات، ويكتفي السوريين بمشاهدتها تباع في الأسواق.
وتقوم الأمم المتحدة عبر منظماتها بالإنفاق على الصحة والتعليم وتأمين مياه الشرب وغيرها من الخدمات في مناطق سيطرة النظام حصراً، أي أنها تحمل عن النظام هذا العبء المالي الضخم، وكان يمكن شكر الأمم المتحدة لو ذهبت هذه المساعدات للشعب السوري، لكنّ الطامة تتمثل بحرمان السوريين المستحقين للمساعدات، فالمناطق الخارجة عن سيطرة النظام إما فقيرة معدمة أو تخضع لحصار خانق وتنعدم فيها فرص العمل نتيجة القصف الممنهج الذي تتعرض له، وهذه المناطق المُستحقة للدعم تُحرم منه، ويوجه لمناطق النظام الآمنة الميسورة الحال التي لا تشكو حصاراً ولا قصفاً.
كل هذا وما خفي يؤكد أن الأمم المتحدة إن لم نقل شريكة في القتل فإنها داعمة للقاتل، فالعدالة تتطلب أن تصل المعونات على اختلافها للمواطن السوري لا الحكومة السورية، وربما تعبر هذه القضية عن مأساة السوريين الذي يُتاجر بهم الكل بما في ذلك المنظمات الإنسانية.
فصائل المعارضة السورية تسيطر على مناطق استراتيجية وهامة في ريف حلب الجنوبي
شنّت المعارضة منذ بداية الشهر وما زالت هجوماً عنيفاً مكنها من استعادة السيطرة على أماكن مهمة كخانطومان ومستودعاتها وحميرة وقلعجية والقراصي وتلتها وأجزاء كبيرة من خلصة، وفي حال إحكام السيطرة على خلص سيكون موقف النظام محرجاً جداً.
ويقرأ تقدم الثوار الآخرين على عدة مستويات، فمن الناحية العسكرية بدت هشاشة النظام وهشاشة الميليشيات المتعاونة معه رغم تسلحها بالعقيدة، إذ تمكن الثوار استعادة مناطق في غضون أيام بينما احتاج النظام شهوراً لاستردادها وبمؤازرة الطيران الروسي. وكشفت المعارك الغياب شبه التام للجيش السوري، إذ كانت الميليشيات الشيعية تتولى القيادة والإشراف والعمليات مما ينسف أسطوانة السيادة والانتصارات الخلبية التي يتبجح بها إعلام النظام.
وأمَّن تقدمُ الثوار طريق حلب دمشق، وحال دون تهديد معاقلهم في إدلب، كما أن السيطرة على خلصة لو تمت تعني سقوط الحاضر وزيتان. وتبقى النقطة الأهم متمثلة بفتح شريان جديد لحلب المحررة، وقطع شريان الحياة للنظام في حلب، وبالتالي يتحول من مُحاصِر إلى محاصَر.
وكشفت معارك الريف الجنوبي مقدار التناقضات بين العصابات الروسية والإيرانية الطائفية والأسدية، وليس أدل على ذلك من قصف الروس مواقع لحزب الله وانتقام الحزب بقتل جنود سوريين، وقصف الجيش السوري لمواقع الميليشيات، ويمكن للأمور أن تتطور أكثر من ذلك مستقبلاً، فالميليشيات الطائفية دفعت فاتورة باهظة بعدد الأرواح والجرحى في معارك الريف الجنوبي دون جدوى.
محاولات فاشلة من النظام للوصول إلى الرقة
تشهد المعارك بين النظام وداعش عمليات كر وفر، ويسعى النظام التقدم باتجاه الطبقة قبل وصول قسد للرقة بهدف المسك بصك براءة يثبت قدرته على محاربة إرهاب كان له القدح المُعلى في صناعته.
ويبدو لافتاً تصريح المتحدث باسم قوات سورية الديمقراطية العقيد طلال سلو على قناة روناهي الكردية عندما سئل عن تقدم قوات النظام صوب الطبقة: ” إن النظام يتجه إلى تحرير الرقة، ونحن يهمنا القضاء على الإرهاب، وتحرير شعبنا فإن كان لدى النظام القدرة فأهلاً وسهلاً” ناسفاً بذلك تضحيات أكثر من نصف مليون شهيد سوري، وأكثر من عشرة ملايين نازح خرجوا طلباً للحرية والكرامة لا للحرب على الإرهاب الذي صُنِعَ في أقبية المخابرات للقضاء على ثورة شعبية.
لم يعد ثمة شك أن قوات الحماية الكردية لا يختارون طريقاً ثالثاً كما يدَّعون، فالتنسيق العالي بينهم وبين النظام يثبت انحيازهم ووقوفهم لجانب الاستبداد والظلم، فالمربع الأمني في القامشلي تحت حماية ي ب د، كما يمد النظام هذه القوات بالسلاح والذخيرة في عفرين والشيخ مقصود، وكان بالإمكان قبول هذا التعاون لو أنّ النظام فعلاً يحارب الإرهاب، فليس خافياً على أحد أن داعش الإرهابي وُجِدَ لإجهاض الثورة فاتخذه النظام مطية لإعادة تسويقه دولياً، كما اتخذه ي ب د مطية لتهجير العرب وإنشاء كانتون كردي قد يؤدي لتشظي سورية.
ويظهر تحالف الشيطان الأسود بين النظام و ي ب د خبثهما، وعقلية تفكيرهما، وصوابية منهج الثورة، فالنظام صنع إرهاباً ظلامياً رجعياً للهروب من مطالب شعبية تسعى لبناء الوطن، وهو يقبل اليوم بتحالف قد يؤدي لتقسيم وطن، وتوريث أحقاد وحروب عرقية لا يعلم لها نهاية في الأفق القريب.
أما ي ب د فبدلاً من الاصطفاف لجانب ثورة شعبية تحقق تطلعات السوريين جميعاً ضد نظام سلب الجميع بما فيهم الكرد أبسط الحقوق الإنسانية نراهم يصطفون لجانب الاستبداد، ويصطادون في الماء العكر، ويطعنون ثورة شعبية كان الكرد أول من شارك فيها، وهتف لمطالبها، وصدحت حناجرهم بوحدة سورية أرضاً وشعباً، لكن ي ب د انقلب على الشارع الكردي كما انقلبت داعش على الشارع السوري فقتلت الوطنيين الشرفاء (مشعل تمو) ولاحقتهم ومنعتهم من ممارسة أي نشاط فأسكت الصوت الكردي كما أسكت الصوت السوري عبر عقود.
ولن يفلح هذا التحالف، وسيكون نهايته الزوال كداعش تماماً، فتوجهات النظام وداعش و ي ب د لا تتماشى مع تطلعات السوريين التّواقين لسورية حرة موحدة.
تعرض الإعلاميون هادي العبدالله وخالد العيسى وأحمد عبد القادر لمحاولة اغتيال
يتضايق الإرهاب والاستبداد من كلمة الحق أيّاً كانت، وأيّاً قائلها، فلم يستطع داعش تحمل صوت منتقديه فأقدم على محاولة اغتيال أحمد عبد القادر مدير صحيفة عين المدينة في أورفا التركية بواسطة طلق ناري من شخصين يركبان دراجة نارية، ويعالج حالياً في تركيا، ويذكر هنا أن أحمد شقيق إبراهيم عبد القادر أحد أعضاء حملة (الرقة تذبح بصمت) الذي قُتِل العام الماضي ذبحاً على يد داعش. واستهدف الإعلاميان هادي العبد الله وخالد العيسى في حي الشعار في حلب بعبوة ناسفة استهدفتهم سببت جروحاً خطرة للإعلاميين اللذين نقلا للمشافي التركية.
تؤكد الحادثتان أن الإرهاب والاستبداد وجهان لعملة واحدة، وتؤمان لا ينفصلان، فمتى وجد أحدهما وجد الآخر، وكلاهما لا يقبل النقد، ولا يرغب سماع صوت الحق.
إذ يحاول تنظيم داعش الإرهابي الاستبدادي منذ البداية خنق الأصوات الحرية، فشنّ حربه على الإعلاميين قبل الثوار والشعب لأنه يدرك أن فضح ممارساته الإجرامية من قبل الإعلام سيعجل في نهايته، وهذا ما يفسر حقده الدفين على الإعلام، وليس أدل على ذلك من مصادرة اللواقط للشبكات الفضائية والريسرفرات.
ويسير داعش على خطا النظام السوري الذي حاول منذ اليوم الأول في سورية تغييب الصورة، وتمييع المشهد فحمل حقداً على الإعلاميين، ولاحق المواطنين على إعجاب (لايك) في شبكة الفيس اعتقاداً منه أن القمع والقتل والتصفية أساليب ناجعة لخنق الكلمة الحرة. وتدل الحادثتان على أن مستقبل سورية لا يمكن أن يكون في ظل النظام السوري أو داعش، إذ لا يعمل الاثنان بمنطقة الدولة التي تسعى للبناء. ولا تنفع محاولات الإصلاح معهما فمن يرفض كلمة ويجابهها بالرصاص محال أن يقبل الإصلاح. فالنظام والتنظيم يحملان معاول هدم سورية، ويدركان أن البناء يبدأ بالجهر بالكلمة الحق لذلك يبادران فوراً لخنق هذه الكلمة ووأدها في المهد، لكن عبثاً تذهب محاولتهما فقد أينعت الزهرة وتنسم السوريون عبقها.
إنذار أم مخدر جديد
على هامش زيارته للنروج أظهر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري حِدة غير معهودة تجاه روسيا حين قال: صبرنا محدود بخصوص الأسد. ولهذه العبارة دلالة عميقة جداً، ففيما يبدو أن الأمريكان والروس اتفقا معاً على خارطة ما لمستقبل سورية لا مكان فيها للأسد نهائياً، لكن الأمريكان يشعرون أنّ الروس يسيرون في منحًى مخالف تماماً، أي وجدوا سعياً روسياً حثيثاً للحفاظ على الأسد ومنظومته الأمنية، وهذا خلاف ما اتفق عليه، فاحتاج ذلك تلك اللهجة المتشددة من كيري.
ولا تريد الإدارة الأمريكية الديمقراطية أن تترك حملاً ثقيلاً يثقل كاهل كلينتون في حال وصولها للبيت الأبيض، أي تريد من الإدارة القادمة إكمال الخطط الموضوعة بما لا يزعج الأصدقاء والحلفاء في المنطقة (الخليج، تركيا) وهذا لن يتم دون إزاحة الأسد.
ويدرك الأسد قبل غيره أن بقاءه رهن الاتفاق الروسي الأمريكي، وأن الدور الإيراني ثانوي في حال رفع الغطاء الروسي عنه، وليس أدل على ذلك من تحديد روسيا لنظام الأسد توقيتات الهدن ومكانها، وهذا مادفع كيري لأن يطلب من روسيا ممارسة دورها الحقيقي وقطع طريق الخداع والتضليل.
منبج تئن تحت الحصار
أحكمت قوات سورية الديمقراطية حصارها لمدينة منبج من جميع الجهات وعززت مؤخراً حصارها من الجهة الغربية عقب السيطرة على قرًى جديدة
ويأتي هذا الحصار بعد السيطرة السريعة على ريف منبج، وتمت هذه السيطرة السريعة نتيجة الدعم الجوي الكثيف من قبل طيران التحالف، وانسحاب داعش نحو المدينة دون القيام بأي مجهود ذي بال لصد هجوم قوات قسد خلافاً لما حدث في ريف الرقة الشمالي، وريف حلب الشمالي أمام الثوار حيث يستبسل التنظيم بالدفاع عن القرى الصغيرة.
ولا يمكن التكهن بوقت ومدة معركة منبج، إذ تمترس التنظيم بالمدينة التي يصل عدد المدنيين فيها قرابة 200 ألف، وذلك يعني مجازر دموية ستلحق بأهلها حال استخدام سلاح الجو بكثافة، ولا يتوقع انسحاب التنظيم من المدينة لأن ذلك يعني انهيار التنظيم في ريف حلب كله.
ويؤدي استمرار الوضع الحالي لمجازر من نوع آخر، إذ تشهد المدينة انهياراً داخلياً على كافة الصعد، ويعيش الأهالي إضافة لتردي الخدمات ونقص المواد الغذائية والطبية خوفاً رهيباً من المجهول، وتحولوا لسجناء محكومين بالإعدام قصفاً أو جوعاً أو مرضاً.
ويُخشى هنا ما بعد داعش، فسيرة قسد لا تبشر بالخير للأهالي، ولا يريدون أن يكونوا كالمستجير بالرمضاء من النار، فقوات الحماية الكردية غير مرغوبة في الوسط الشعبي نتيجة عمليات التهجير والانتهاكات ومحاولات طمس الهوية السورية، ومحاولة تغيير الطابع الديمغرافي للبلدات والمدن العربية مما يعني بداية مشروع انفصالي ستكون نتائجه كارثية على الجميع دون استثناء.
وما يعزز هذه المخاوف إصرار القوى الدولية على تقديم دعم لا محدود لهذه القوات، وإحجامها عن تقديم مثله للثوار في ريف حلب الشمالي رغم قتالهم الشرس لداعش، فذلك يعني أن لدى هذه الدول أجندات معينة سوى القضاء على الإرهاب (داعش) وما داعش إلا مطية لتلك الأهداف والأجندة.
ويبدو أن داعش تسير وفق المخطط المرسوم لها، إذ نجحت في تفتيت عضد الثوار، وأعطت مسوغاً لبقاء الأسد، وهاهي اليوم تمهد الطريق لكيان انفصالي.