قد لا يجد من يعيش خارج سوريا تفسيرًا مقنعًا لانضمام آلاف الشباب السوري لداعش الإرهابي “تنظيم الدولة الإسلامية”، لكنَّ المعايش للواقع المؤلم يحزن ويتألم لهؤلاء الشباب إذ يجد أسبابًا كثيرة مقنعة تدفعهم للانخراط في صفوف من هو أسوأ من “داعش”، ونكاد نجزم أنَّ المنطقة مقبلة على ولادة ما هو أسوأ من داعش إذا بقيت العجلة السياسية والعسكرية تُدار بالطريقة ذاتها.
لا يوِّلد العنف والقهر والتهميش إلا عنفًا وتطرفًا ودمويّة، فما يتعرض له السوريون من عنف على يد السلطة الحاكمة أسوأ بكثير من العنف والإجرام الذي يمارسه تنظيم داعش، والفارق الوحيد بينهما أنَّ داعش تمارس عنفها أمام الكاميرات وتتباهى به في حين تحاول السلطة الحاكمة الستر والتكتم عليه.
لا جدوى من التخلص من داعش ما لم نتخلص من الأسباب التي أدت لظهوره، فالإرهاب شجرة زقوم جذورها الظلم والاضطهاد
عندما يجد هذا الشابُّ السوري البسيط أنَّ العالم كله يقف إلى جانب الظالم، ولا يحاسبه على جرائم الكيماوي والبراميل والصواريخ العلنية، ويغض الطرف عن جرائم التعذيب والتجويع حتى الموت، وعندما يجد السوري نفسه يباع بثمن بخس في أسواق المصالح السياسية، وعندما يرى السلاح يمنع عن الوطنيين الشرفاء بدعوى الخشية من سقوطه بيد إرهابيين في وقت يغض الطرف فيه عن تسليم فرق كاملة بالعراق بأسلحتها وذخائرها وآلياتها، ومستودعات ضخمة في تدمر ومهين في سوريا للإرهابيين، مقارنات وأسباب تدفعك لأن تحمل حقدًا دفينًا وتتحول إلى وحش كاسر ليس داعشيًا فقط.
لا نبرر العنف والإرهاب بل نطالب باستئصالهما حقيقة، لا كما يفعل المجتمع الدولي بقيادة ما يسمى “الدول العظمى”، إذ لا جدوى من التخلص من تنظيم داعش ما لم نتخلص من الأسباب التي أدت لظهوره، فالإرهاب شجرة زقوم جذورها الظلم والقهر والاضطهاد والتمييز والاستبداد وغياب التجربة الديمقراطية وغياب تساوي الفرص وانسداد أفق الحياة الكريمة، فلا ينفع قطف الثمرة المتمثلة بداعش إذ ستتوالى الثمار العفنة ما لم نستأصل شجرة الزقوم من جذورها.
عندما تحاور الداعشي السوري في الغرف المغلقة لا يحدثك عن الحكم الشرعي والديني لأنه يدرك في قرارة نفسه أنّ تنظيمه أبعد ما يكون عن الدين، ويعتقد أنَّ الدين مجرد غطاء مهم للحشد والتعبئة ضد الآخر ليس إلا، فبالتالي يحشرك -حسب اعتقاده- بالزاوية من خلال المقارنات السابقة وغيرها.
ونرى أنَّ المجتمع الدولي ما زال يدفع الشاب السوري المنفتح المتطلع لحياة حرة كريمة دفعًا نحو الدعشنة، وما بعد الدعشنة، وبتنا نخشى أن يأتي يوم يُعاب فيه على الشباب السوري ألا يكونوا دواعش، فكيف نقنع الشباب السوريين الذين أبادت الطائرات الروسية قراهم وبلداتهم في حلب وقتلت وهجرت أهلها بالاعتدال والعالم المتحضر يراقب ولا يتحرك. لا نقول لوقف القتل والتدمير وحسب بل لمساعدة وإغاثة المنكوبين المهجرين الذين حوصروا بخيم أشبه بمداجن لا تليق بالآدميين دون تعليم أو صحة.. إلخ.
المجتمع الدولي ما زال يدفع الشاب السوري المنفتح المتطلع لحياة حرة كريمة دفعًا نحو الدعشنة
تعتقد الولايات المتحدة أنها من خلال منع السلاح عن الثوار، والسماح لروسيا حرق الأرض بما فيها، وبالتالي تقدم النظام في أرض مفتوحة بلا بشر أو شجر سيجبر المعارضة السياسية على الخضوع للإملاءات والحلول الأمريكية الراغبة بإعادة إنتاج الأسد، وغاب عنها حقيقة أنّها قد تنجح في مسعاها، ولكنها ستعيد مع إنتاج الأسد إنتاج تنظيمات أشد تطرفًا من تلك التي أنتجها وسببها نظام الأسد.
ومن يدخل إلى خبايا النفوس يجد مقدار المرارة والخيبة، إذ وصل الشاب السوري مرحلة لا يجد فيها ما يخسره بل بات يعتقد أنَّ خسارته حياته أفضل من حياته الحالية. وإذا استمرت الأمور على هذه الحال فإنّنا نترقب يومًا نترحم فيه على داعش وأفعالها، ونتمنى حيث لا تنفع الأماني لو بقي إرهاب داعش، ويبقى التاريخ حكمًا على ما نقول.
المصدر : جلال زين الدين – ألترا صوت