خاص – الرقة تذبح بصمت
كثر الحديث مؤخراً عمّا سميّت إعلامياً بـ”معركة الرقة”، إذ عملت أطراف عدة على الترويج لاقترابها والتمجيد باللاعبين الرئيسييّن على الساحة السورية حالياً وهما روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، الداعمين الأساسيين للمليشيات الكردية والنظام السوري الحليفين على الأرض.
وقد أطلقت ما تسمى “قوات سوريا الديمقراطية” التي تتحكم بها مليشيات الــYPG، معركة السيطرة على الرقة، المعقل الرئيسي لتنظيم “داعش” في سوريا وعاصمته في البلاد، بتاريخ الرابع والعشرين من شهر أيار/مايو الفائت، فأجرت مناورات عدة نقلت خلالها قوات تابعة لها من مدن عين العرب وعين عيسى وتل أبيض إلى نقاط اشتباكها مع تنظيم داعش في ريف الرقة الشمالي، لتعلن السيطرة على قرى وبلدات في ريف عين عيسى.
وشهدت هذه المعارك مشاركة جنود تابعين للولايات المتحدة الأميركية، ممن يتواجدون منذ مدة في معسكر عين عيسى ومعمل لافارج، بهدف الإشراف على تدريب قوات الــYPG وإدارة الطلعات الجوية لطيران التحالف الدولي فوق الرقة وريف حلب الشرقي.
واتّصفت المشاركة الأمريكية بكونها إعلاميّة وتهدف إلى إظهار جدية الولايات المتحدة بقتال التنظيم المتطرف، لكن الواقع أن الاشتباكات لم تستمر سوى يومين تكبّدت خلالهما قوات الــYPG خسائر في الأرواح إثر كمين نصبه لها التنظيم داخل قرية الهيشة. وما لبثت المعركة أن توقفت بعد يومين فقط من انطلاقها، فلم تحرز القوات الكردية أي تقدم فعلي وملموس على الأرض، إذ تبيّن أن أسماء القرى التي أُعلن عن السيطرة عليها وهمية وغير موجودة في المنطقة، وهو ما دفع هذه القوات لتنتقل ليلاً إلى مدينة عين عيسى تليها الضفة الغربية لنهر الفرات، قبل أن تعلن بدء معركة السيطرة على ريف حلب الشرقي ومدينة منبج .
وجاء ذلك، قبل أن تبدأ التصريحات الروسية عن معركة الرقة على الرغم من تأكيدها على عدم جدية هذه المعركة وعدم وجود تحضيرات فعلية لها، في وقت أعلنت فيه “قوات سوريا الديمقراطية” عن فتح جبهة جديدة للسيطرة على مدينة الطبقة غربي الرقة والتي تعود أهميتها إلى كونها تحوي سد الفرات ومطار الطبقة العسكري.
في المقابل، أعلنت قوات النظام عن انطلاق معركة الرقة من جهة الجنوب الغربي لتبدأ بنقل معلومات عن تقدم وقتل عناصر للتنظيم وعن وصولها إلى الحدود الإدارية للرقة، مشيرة إلى أن قواتها تسعى للوصول إلى مدينة الطبقة ومطارها العسكري، في حين أن القوات المشاركة بهذه العملية تعتمد بصورة رئيسية على مليشيات الدفاع الوطني المكوّنة من عناصر غير نظاميين وغير مدربين بشكل جيّد ولا يمتلكون العتاد العسكري الكبير ولا الأسلحة التي تخولهم الدخول بمعركة كهذه مع التنظيم، ناهيك عن أن تقدم النظام جاء ضمن أراضي خالية لا تشمل نقاط عسكرية للتنظيم وذلك بعدما تقدّمت قواته سابقاً للنقاط نفسها وانسحبت نتيجة استهدافها بسيارات مفخخة وعمليات التفاف نفّذها التنظيم.
وتؤكد المعلومات القادمة من تلك الجبهات، على عدم اندلاع أي اشتباكات بين التنظيم وقوات النظام التي تعتمد بصورة رئيسية على الطيران الروسي وتتبع استراتيجية التقدم البطيء ومحاولة الحفاظ على النقاط الجديدة.
وبين هذين الإعلانين عن معركة الرقة، تظهر حقيقة التنسيق الكبير بين النظام من جهة وقوات الــYPG من جهة أخرى، بهدف التغطية على معارك الأخيرة في ريف حلب الشرقي وبغرض إرباك التنظيم وإجباره على الانسحاب من المنطقة للحفاظ على أهم معاقله في سوريا وهي مدينة الرقة، فضلاً عن حاجة النظام إلى هذا الإعلان لرفع معنويات مواليه.
وحقيقة الأمر أنّ كلاً من النظام وقوات YPG يحرص على محاولة إكساب نفسه الشرعية عن طريق قتال تنظيم داعش وبخاصة أن هذه المعركة تهدف إلى ضرب التنظيم في عقر داره، فيما يعيش أهالي المدينة حالة من التخبط والخوف من المعارك والقصف الذي سيرافقها من جهة ومن تشديد التنظيم وتضييقه الخناق عليهم كلما ضاق الخناق عليه من جهة أخرى.