خاص – الرقة تذبح بصمت
تتسارع الأحداث مؤخراً في الجزيرة السورية, وما يقابلها في الطرف العراقي, تحت مسمى “الحرب على الإرهاب”, بدعم وغطاء جوي أمريكي, ناشراً الفوضى الهدامة, محاولاً إعادة رسم خرائط الشرق الأوسط الجيوسياسية بالكامل, بعد مرور مائة عام على “سايكس – بيكو”.
فيما ترتبط هذه التطورات, بتطور ما يُعرف بالمشهد الجهادي, وهو مصطلح مجازي يستخدم لوصف الجماعات المسلحة التي تضع لافتة الدين فوق ما تقوم به من أنشطة وأعمال, كتنظيم داعش, وقوات الحشد الشعبي “الشيعية”, إضافة للمليشيات الكردية, ذات الطابع القومي.
وباتت هذه الجماعات, وعلى رأسها تنظيم داعش, بلعب أدوارٍ وظيفية متطورة, حيث استجلبت أنشطتها العديد من التحركات الإقليمية والدولية, ليبرر وجود تلك التنظيمات تحت أمرين, الأول خلقها لتبرير التدخل وإعادة التكوين, أو استغللها لتحقيق تلك الأهداف.
حيث عمل التنظيم وقوات الحشد الشيعية, إضافة للمليشيات الكردية, منذ بداية تأسيسهما على كسر ترابط المجتمعات, لتتأصل ثقافة حرب البقاء للأقوى في نفوس المجموعات البشرية الموجودة, محولين الثورة السورية والمقاومة العراقية إلى حرب أهلية مسبوغة بلون طائفي وقومي, كما عملت تلك القوى الوليدة إلى تغير الحدود السياسية للمنطقة, ساعيين إلى عدة أهداف, من بينها توزيع مصادر الثروة، وخصوصًا في مجال الطاقة، الغاز الطبيعي والنفط، واستمرار اشتعال الفوضى الإقليمية.
وفيما أخذت نار التنظيم بالتراجع في المشهد السوري خلال الربع الأول من عام ٢٠١٦, وامتداد القوات الكردية في سوريا, والشيعية في العراق, عمد التنظيم للعودة مجدداً عبر التفجيرات النوعية التي نفذها في طرطوس وجبلة، ورافق ذلك تصعيد في أنشطة التفجير التي ينفذها التنظيم في كل من العراق، وكذلك في اليمن، حيث نفذ تفجيرات استهدفت معسكر اللواء 39 في منطقة خورمكسر وسط عدن، وأهدافًا أخرى، محاولاً الخروج من محاولات حصاره وعزله في سوريا والعراق، معقله الأساسي.
شمل ذلك أيضًا تصعيدًا كبيرًا في أنشطة داعش بليبيا، بشكل استدعى تدخلات سياسية وعسكرية دولية، اعترفت بها الولايات المتحدة، وبعض حلفائها.
وفي كل مرة من هذه المرات، تجد أن أنشطة هذه التنظيمات، تستجلب العديد من التحركات الإقليمية والدولية، التي إما أنها تعمل على توظيف هذه التنظيمات في خدمة من منظومة أهدافها، أو تستغل ما تقوم به، من أجل تنفيذ الكثير من هذه الأهداف, مما يحقق تطواف إقليمي ودولي، يوضح كيف أن داعش وأخواتها، يلعبن في كثير من الأحيان، دور الروليت، في تمرير سياسات القوى العظمى، سواء فيما يتعلق بمنطقتنا، ومحيطها الحيوي الأوسع، أو ما يتعلق بصراعات ومصالح هذه القوى.
فيما ينصب دعم الولايات المتحدة الأمريكية للأكراد والمليشيات الشيعية لتشكيل كنتوناتها الخاصة على المدى البعيد, وهو دعم لم تكن الولايات المتحدة يمكنها أن تقدمه لولا وجود داعش في الصورة, إذ لا يمكن بحال من الأحوال قبول فكرة أن هذه التنظيمات التي تعتبر بدائية في تكوينها، وفي طبيعة تفكير القائمين عليها، أن تعمل بهذا النسق الاستراتيجي شديد التأثير، ما لم يكن خلفها قوى أكبر وأقدر، تحرك المشهد الإقليمي والدولي بالكامل.