خاص – الرقة تذبح بصمت
ألقت طائرات التحالف الدولي يومي الخميس والجمعة الفائتين، مناشير ورقية على مدينة الرقة وريفها الشمالي، طالبت المدنيين بمغادرة مناطقهم مؤكدة أن الوقت قد حان للخروج في إشارة إلى المعركة المزمع بدؤها ضد تنظيم “داعش” وما سيتبعها من قصف ودمار.
ويأتي ذلك في وقت يشدّد فيه التنظيم إجراءات منع خروج المدنيين من الرقة، فيفرض على من يريد مغادرة مناطق سيطرته إحضار ورقة من الحسبة بعد تقديمه حجة تبرر هذا الخروج المؤقت، كونه يُضطر لوضع كامل ممتلكاته رهينة لدى التنظيم في فترة غيابه بحيث يصادرها الأخير في حال عدم عودة صاحبها.
وتعدّ أكثر الأسباب التي قد يمنح التنظيم بموجبها إذن مغادرة مناطقه هي أسباب صحية، فيما يتوجّه طالبو الخروج إمّا إلى مناطق سيطرة النظام والتي يحتاج الوصول إليها وقتاً طويلاً قد يصل إلى أسبوع وكلفة تتجاوز مئة ألف ليرة سورية في ظل مخاطر كبيرة أحدها القصف الجويّ.
وقد أصبح المسافرون مؤخراً يصلون الى محافظة السويداء حيث يأخذون طريق التفافي من الرقة ثم إلى العراق ليعودوا إلى سوريا من التنف ثم إلى السويداء حيث يحتجزهم النظام في مخيم بإحدى المدارس ويمنعهم من متابعة الطريق إلا بموجب كفيل من السويداء يمكّنهم من متابعة الطريق إلى دمشق.
من جانب آخر، قد يتوجه مغادرو مناطق التنظيم نحو مناطق سيطرة الجيش الحر في ريف حلب، إلّا أنّ الطريق إليها صعب جداً بسبب الاشتباكات الدائرة بين الطرفين ن جهة وحقول الألغام الموجودة هناك من جهة أخرى والتي تسببت بمقتل عشرات من أهالي الرقة أثناء محاولتهم الوصول إلى مناطق المعارضة، ناهيك عن المعاملة السيئة احياناً من تلك الفصائل والتهم المسبقة لأهالي الرقة ودير الزور بانتمائهم لـ”داعش”، علماً أنّ هذه المناطق تعج بالنازحين من حلب وريفها ومحاصرة بشكل كبيرة للغاية وفضلاً عن سوء الوضع الإنساني فيها.
أمّا الطريق الأخير والأسهل نظرياً وهو الخروج إلى ريف الرقة الشمالي والذي لا يبعد سوى 50 كيلومتراً، وهو الطريق الذي شجّعت منشورات التحالف على استخدامه.
وفي وقت يمنع فيه التنظيم الخروج إلى المناطق الشمالية ويشدد عليها كونها جبهات اقتتال بينه وبين قوات سوريا الديمقراطية، يحاول المدنيون التوجه إلى هناك عن طريق التهريب الذي يلّفه خطر إلقاء التنظيم القبض عليهم، فضلاً عن خطر الألغام التي زرعها الطرفان.
وفي حال وصول المدنيين إلى المناطق الشمالية فإنّ وحدات حماية الشعب تمنع دخول أي منهم دون وجود كفيل من أهالي المنطقة الغير مجهزة لاستقبال هؤلاء النازحين والتي تشهد أوضاعاً إنسانية صعبة للغاية.
“أبو ياسر” يعمل في إحدى جمعيات العناية بالنازحين يقول لحملة “الرقة تذبح بصمت”، إنّه “على المنظمات والأطراف التي تدعو المدنيين إلى مغادرة الرقة، توفير ممرات وطريق آمنة للخروج شمالاً وتأمين البنية التحتية لاستقبالهم، فالمنطقة الشمالية لا تحوي مراكز طبية ولا مراكز إيواء ولا مخيمات، فضلاً عن أنّ القرى والبلدات الشمالية لا تستطيع استيعاب أعداد كبيرة من النازحين، حيث أن النقص يصل إلى موضوع الطعام والخبز الذي يصعب تأمينه حتى لأهالي المنطقة”.
من جانبه، يقول أ.ح 34 عاماً من أهالي الرقة، “لم نعد نعرف ما الذي يتوجب علينا القيام به وشبح الموت يلاحقنا من كل حدب وصوب، أصبحنا نخشى البقاء إلى فترة يصبح فيها من المستحيل الخروج، فالكل يتوعد ويهدد لكنّ المدنيين لاحول لهم ولا قوة، فإلى أين المفرّ؟ القسم الأكبر من أهالي المحافظة لا يستطيعون النزوح كون ذلك يحتاج قدرة مادية تفتقدها غالبيتهم العظمى، لكن منشورات التحالف أثارت الرعب بين أهالي الرقة فباتوا يتساءلون إلى أين سنخرج وما هو المكان الأكثر أمناً وهل حان الوقت فعلاً؟”.
في ظل كلّ ذلك يبقى السؤال الملح، هل جاءت هذه المنشورات فعلاً لتحذير المدنيين في الرقة وتأمين سلامتهم أم أنها محاولة لرفع المسؤولية عن مجازر ينوي التحالف الدولي وشريكه الروسي ارتكابها في المحافظة؟
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.