خاص – الرقة تذبح بصمت
تستمر الحياة السوداء في مدينة الطبقة كما هو الحال في جميع المدن التي تقبع تحت احتلال تنظيم “داعش”، الذي يواصل فرض أحكامه الجائرة على المدنيين فيعتقلهم ويجلدهم ويجبرهم على إتباع ما يسمّيها “دورات شرعية”.
ويأتي ذلك في ظل ارتفاع وتيرة قصف نظام الأسد المدعوم بالطيران الروسي على مدينة حلب، وهو ما ترك أثره على المدنيين في الطبقة الذين يعيشون حالة من الخوف بعد تصريحات روسيا حول اقتراب بدء معركة الرقة، ليقتصر يومهم على الخروج من المنزل لتأمين أساسيات العيش، وسط غلاء فاحش وندرة في فرص العمل وخطورة التعرض للاعتقال لأسباب كثيرة منها مخالفة اللباس والقوانين الأخرى، ناهيك عن انتشار عناصر التنظيم في محاولة لاعتقال أي شخص لا يعجبهم أو إهانته وتوجيه الشتائم له.
“إن تأمين سيجارة واحدة بات يعتبر انجازاً لكن تدخينها بسلام يعتبر انتصاراً أكبر” يقول “أحمد” وهو شاب عشريني من سكان المدينة، ويضيف قائلاً: “يعيش الشباب في المدينة حياة كئيبة ومحدودة للغاية في ظل القيود والمحرمات التي يفرضها التنظيم عليهم، حيث تنعدم وسائل الحياة الأساسية ويصبح الحديث عن وسائل الترفيه ضرباً من الخيال في المدينة التي تعج بمشاهد الموت والدمار، كما أصبحت السهرات الشبابية مجرد ذكرى بعدما هاجر معظم أصدقائي هرباً إلى تركيا أو أوربا، أما حياة النساء في هذا الواقع فهي أشبه بالجحيم، فالدورية النسائية التابعة للحسبة تجوب الشوارع ليل نهار بحثاً عن أي امرأة لتقوم باعتقالها لأسباب تافهة كظهور عينيها تحت النقاب أو ارتفاع صوتها في الأسواق وتهم أخرى أصبحت هاجساً يؤرق نساء المدينة ويقيد حركتهن.”
بينما تقول ابتسام وهي ممرضة توقفت عن عملها بسبب اعتقالها من قبل التنظيم بتهمة (خلوة غير شرعية): “داهم عناصر الحسبة العيادة التي اعمل فيها واعتقلوني أثناء وجودي في غرفة الانتظار لتسجيل مواعيد المرضى بحجة الخلوة غير الشرعية مع المرضى الذكور الذين كانوا متواجدين في ذلك الوقت، تم اقتيادي إلى المركز المخصص لاعتقال النساء وهناك قاموا بجلدي عدة مرات، وقاموا في وقت لاحق بإحضار والدي ليتعهد بعدم تكرار المخالفة، ومن ثم أخضعوني مع والدي لما أسموها دورة شرعية لمدة أسبوعين متتاليين، وفي تلك الدورة المشؤومة لم أجد سوى نساء منتميات للتنظيم يحاولن البحث عن فتيات لإقناعهن بالزواج من عناصره.”
أما الوضع الأمني فلقد كان الاسبوع الفائت هو الأسوأ في المدينة، عقب تمكن 20 سجيناً (بعضهم محكوم بالإعدام) من الهروب من أحد سجون التنظيم، حيث قام التنظيم على إثر هذا الحادث بشن حملات اعتقال ونصب الحواجز على مداخل ومخارج المدينة، وفي وقت لاحق قام عناصر التنظيم بإعدام أحد الأشخاص الذين ادعوا أنه واحد من السجناء الهاربين.
من جهة أخرى، لا تقتصر معاناة السكان المدنيين على ممارسات التنظيم وانتهاكاته الممنهجة بحقهم، حيث تنعدم الخدمات الأساسية في المدينة كمياه الشرب والكهرباء والاتصالات والانترنت، فالكهرباء تنقطع يومياً لمدة تتجاوز العشرين ساعة على الرغم من وجود سد الفرات في المدينة الذي يكفي انتاجه من الطاقة لتغذية محافظة الرقة بأكملها وأجزاء واسعة من الشمال السوري.
وفي هذا السياق قال “محمود” وهو موظف في المؤسسة العامة لسد الفرات في أثناء حديثه لمراسل “الرقة تذبح بصمت”: “إن الأمير التونسي المعين من قبل التنظيم تحت مسمى (أمير سد الفرات) ليس لديه أدنى خبرة في مجال إدارة هذه المنشأة، ولقد قام المهندسون العاملون في السد بالاحتجاج عدة مرات على سياسة توزيع الكهرباء، ولكن احتجاجهم قوبل بالرفض والتهديد بالاعتقال بتهمة التدخل في شؤون (الدولة الإسلامية).”
ويضيف محمود: “إن السبب الحقيقي الذي يكمن وراء هذا الانقطاع الطويل والمتكرر للطاقة الكهربائية يتمثل في سياسة التنظيم القائمة على بيع الكهرباء المنتجة في السد للنظام، الأمر الذي يؤدي أيضاً إلى انقطاع مياه الشرب لفترات طويلة بسبب توقف مضخات المياه عن العمل لعدم وجود الطاقة اللازمة لتشغيلها.”
وهكذا يواصل المدنيون العيش في هذا الجحيم الذي فرضه عليهم تنظيم داعش المتطرف، في ظروف صعبة وسيئة للغاية بجميع مناحي الحياة، حتى إن المرأ ليحار في سر صمودهم وبقائهم رغم كل هذه الصعاب، ولكن يبدو أنهم ما زالوا ينتظرون اليوم الذي تتحرر فيه مدينتهم ووطنهم ويحلمون بغدٍ أفضل، عملاً بالقول المأثور “ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل”.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.