خاص – الرقة تذبح بصمت
احتفل العالم أمس في الثالث من أيّار (مايو) 2016 باليوم العالميّ لحريّة الصحافة، وتأتي ذكرى هذا اليوم الذي لاتزال فيه المنظّمات الدوليّة المدافعة عن حريّة الإعلام تكشف عن انتهاكات تطال الصحفيين، ووسائل الإعلام، فضلاً عن العاملين من خلال المواقع الالكترونيّة، في كثير من الدول العربيّة والتي تتصدّرها سوريا التي لايزال العالم عاجزاً إلى الآن عن وضع حدّ للمأساة التي تعيشها، أو وقف الانتهاكات التي لا يزال يتعرّض لها الإعلاميين والمراكز الإعلاميّة.
ومن جهة أخرى لايزال إعلام النظام ومن يواليه من وسائل إعلاميّة أخرى يؤكّد يوماً بعد يوم افتقاده إلى المهنيّة والمصداقيّة، وتحولها من وسيلة لنقل الحقيقة وتبيانها إلى وسيلة لتضليلها وانتهاكها. وتعتبر سوريا اليوم مقبرة الإعلام والإعلاميين ، تضمّ في أروقتها آلاف قصص الانتهاكات التي يتعرّض لها الإعلاميين والتي تعتبر وصمة عار على جبين المجتمع الدوليّ الذي يقف موقف المتفرّج القلق حيال ما يحدث ، ووصمة أخرى على جبين مرتكيبيها.
ونلاحظ في سوريا أنّ جميع أطراف النزاع بدون استثناء كانت ولازالت تقف ضدّ الإعلام والإعلاميين، فقدعملت هذه الأطراف المقتتلة على محاربة هؤلاء الاعلاميين، فهي لم تكتفِ بسجنهم أو التعدّي عليهم أو قتلهم بل عملت أيضاً على غسل أدمغة العاملين في مؤسساتها الإعلاميّة وجعلهم أدوات لحروبهم النفسيّة، ليقطعوا كلّ صلة بمواثيق الصحافة الأخلاقيّة، فهم بذلك يعتدون على المهنة من خلال تحوّل هؤلاء العاملين إلى أدوات تضليل لدرجة أن وصلت بانحطاط أخلاق بعضهم بالاعتداء على حرمة الضحايا وأخذ صور “سيلفي” معهم، والتنقّل بين جثثهم بدم بارد، آخرها كان لمراسلة التلفزيون السوريّ ( كنانة علوش ) في مدينة حلب التي تحترق بصواريخ النظامين السوريّ والروسيّ من خلال الهجمات الجويّة الممنهجة.
فهم بذلك لم يكتفوا بتضليل فظائع أسيادهم بل أصحبوا مساهمين فيها وسلاحاً للحرب النفسيّة التي يروجونها لمؤيديهم ومعارضيهم، فقد عرض إعلام حزب الاتحاد الديمقراطيّ صوراً لشاحنات تقلّ جثثاً لعناصر الجيش الحرّ في مدينة عفرين في الرابع من شهر نيسان (أبريل) الماضي وعرض بعض مناصريه وإعلامييه صور “سلفي” مع جثث عناصر الجيش الحر الذين استشهدو وهم يحاولون استعادة اراضيهم المحتلة من قوات الـ YPG.
وبحسب المركز السوريّ للحريّة الصحفيّة في رابطة الصحفيين السوريين، تمّ رصد أكثر من (700) انتهاكاً بحقّ الإعلام في سوريا منذ خمس سنوات فقد تمّ توثيق (337) إعلاميّاً مابين صحفيّ ومواطن صحفيّ من الجنسين ومن جنسيّات مختلفة. ولايزال أكثر من (40) إعلاميّاً برسم الفقد، بعد أن تعرّضوا لعمليّات انتقامية على يد النظام او مجموعات اخرى، أو ممّن اعتقلوا على يد التنظيمات الإرهابيّة كتنظيم داعش ومنهم عبيدة بطل مراسل أورينت نيوز مع عدد من زملائه الفنيين.
أمّا الإعلاميين في الخارج لم يسلموا تطاول أيدي التنظيمات الإرهابيّة في الداخل ، فقد تزايدت الانتهاكات التي تعرّض لها الصحفييون السوريون خارج بلادهم فأصبحوا مهدّدين فيها ليس فقط من جماعات التنظيمات الإرهابيّة بل حتّى من سلطات الدول التي احمتوا بها من خلال التعامل غير اللّائق معهم ، أو من خلال اعتقالهم، وقد وصل الأمر حدّ قتل بعض الصحفيين السوريين في الخارج والذين كان من بينهم الشهيدين إبراهيم عبد القادر ، وفارس الحمادي اللذين ذهبوا غدراً على يد تنظيم داعش ثمناً للكلمة الحرّة، في ولاية أورفا التركيّة، والناشط الصحفي أحمد الموسى الذي اغتيل في ريف مدينة إدلب “المحررة”، ومن بعدهم الصحفي ناجي الجرف، لتختم بالصحفيّ زاهر الشرقاط المذيع ومقدّم البرامج في قناة حلب اليوم في ولاية غازي عنتاب التركيّة.
فلا يمرّ يوم دون انتهاكات للصحفيين، خمسة أعوام ولا أحد يستطيع وقف أو ملاحقة مرتكبيها، والتي يشارك فيها عدد غير قليل من الجهات المتقاتلة على الأرض السوريّة وعلى رأسها النظام السوريّ وحلفائه، إضافة إلى تنظيم داعش وحزب الاتحاد الديمقراطيّ وجبهة النصرة وعدّة جماعات أخرى.
وفي السياق كان قد سجل انتهاك في اليوم العالمي لحرية الصحافة في مصر، حيث هاجمت قوات الأمن والشرطة مقر نقابة الصحفيين وقامت باعتقال العديد منهم بحجج واهية ومنعت الصحفيين والمواطنين الصحفيين من النشر والاعتصام ضد الاعمال التي تقوم بها قوات الامن.
وأدان مركز الحريّات الصحافيّة بشدّة الانتهاكات بحقّ الإعلاميين، داعياً إلى الالتزام بقرار الأمم المتحدة 1738 لعام 2006، والداعي إلى وقف التهجمات ضدّ الصحفيين، وموظفيّ وسائل الإعلام، كما دعا المركز إلى احترام العمل الصحفيّ، والكشف عن مصير عشرات الصحفيين، والمواطنين الصحفيين، فيما دعت لجنة حماية الصحفيين CPJ إلى الوقف الفوري للانتهاكات بحق الصحفيين في كل أنحاء العالم، والذين قدّمت مجموعة الرقّة تذبح بصمت العديد منهم.