الرقة تذبح بصمت
بحلول السادس عشر من أبريل/نيسان لهذا العام، تكون حملة “الرقة تُذبح بصمت” قد دخلت عامها الثاني، الشباب الذين بدأوا هذه الحملة بالهاشتاغ (#الرقة_تُذبح _بصمت) كتعبير منهم عن سكوت المعارضة آنذاك بشقيّها العسكري والمدني عن سقوط الرقة بيد تنظيم ‹‹ داعش›› الذي استولى على المدينة مطلع العام 2014، وأملاً منهم في تسليط الضوء على المدينة التي وقعت فريسةً لحكم ‹‹ داعش›› وإيصال صوت الناس والانتهاكات التي تُرتكب بحقهم من قِبل النظام الأسدي وتنظيم ‹‹ داعش›› على حدٍ سواء.
البدايات :
بدأ مُؤسِّسو الحملة عملهم بجهودٍ بسيطة وإمكانيات متواضعة، وعندما خطرت الفكرة على في أذهانهم، اقترحوا حينذاك على أصدقائهم إضافة الهاشتاغ أو الوسم التويتري (#الرقة_تُذبح _بصمت) إلى منشوراتهم في “الفيسبوك” وتضمينه في تغريداتهم على موقع “التويتر”، وإذا كانوا على يقين بأنّهم لا يملكون الأدوات التي تمكّنهم من تغيير الواقع المفروض على الرقّة، فالقيام بالعمل اليسير ضمن الإمكانيات المُتاحة والخبرات المحدودة خير من الصمت، لأنّ الصمتَ جريمةٌ أخرى تُضاف إلى الجرائم التي باتت تظهر بحق المدينة وأهلها تباعاً، ولأنّ الحرب مع أشكال الاستبداد تأخذ مناحٍ وجوانب عدة، وجد أعضاء الحملة أنّ “المقاومة المدنيّة” لداعش هي الحلّ الأنسب في حالتهم، وكان التركيز مُنصبّاً على نقل أخبار المدينة عبر منصات الانترنت المتوافرة (الفيسبوك_التويتر)،وهذا بالطبع يتم بالتنسيق والتشبيك بين أعضاء الحملة المتواجدين في الرقة وخارجها، ونتيجةً لهذا الجهد المبذول أصبحت الحملة هي الناقل والراصد لانتهاكات ‹‹ داعش›› بحق المدنيين وتعرية وفضح خطابها الإيديولوجي القائم على الخطاب الديني وحصر “الحاكميّة” بشخص الخليفة واعتبار كلّ المخالفين لهذا النهج “مرتدين” يجب القصاص منهم وهذا ما حصل في ساحات الرقّة التي حوّلها مجرمو داعش إلى (( ساحات لتنفيذ العقوبات التعزيرية))، لمّا قامت الحملة بنقلِ هذه الصور من قلب المدينة وبثّها عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتلفت أنظار الإعلام العربي والعالمي إلى هذه المجموعة الناشئة التي استطاعت كسر الطوق المفروض على الرقة وما يحدث فيها.
المصاعب والمخاطر :
للكلمة الحرّة ثمن غالٍ، خبره السوريّون جيداً خلال السنوات الخمس الماضية، والكل يذكر كيف جابهت “كاميرات الموبايل” قنّاصة النظام، وكيف أبدى الشباب السوريّ شجاعةً منقطعة النظير لفضح واحد من أعتى الأنظمة الإجراميّة في العصر الحديث، ولأنّ ملّة المستبديّن واحدة، فإن ‹‹ داعش›› لم تحدْ عن درب نظيرها “الأسد” في تكميم الأفواه، فاعتقلت وغيّبت منذ البداية النشطاء الفاعلين الذين وقفوا بوجهها وقتلت البعض الآخر، وكنّا نعلم عندما قررنا خوض هذه “الحرب” معهم أنّنا مُهدّدون في أي لحظة وبأنّ حياة كلّ فرد من أعضاء الحملة عُرْضة للخطر في أي وقت، وبدأت القصة عندما اعتقلت ‹‹ داعش›› أكثر من 60 شاباً في الرقة لتوجه لهم التهمة بأنّهم أعضاء في “حملة الرقة تُذبح بصمت”، مررنا وقتها بتجربة صعبة وأدركنا حجم المخاطر، ولأنّ هؤلاء الشباب المعتقلين لا ذنب لهم فأحسسنا بأنّنا مسؤولون عن سلامتهم وأمنهم، وزاد الطين بلة خروج أئمة المساجد الذين عينتهم ‹‹ داعش›› بعد أسبوع من إطلاق الحملة، ليكفرّوا أعضاءها ويتهموهم بالردة والتبعية للغرب “الكافر”، وهذا ما جعل الثمن غالياً وباهظاً، فقد اُستشهد الكثير من أعضاء الحملة شخصياً ومنهم نذكر احد اعضاء الحملة ” المعتز بالله إبراهيم” الذي قُبض عليه في أحد حواجز‹‹ داعش›› بعد شهر واحد من بداية عمل الحملة وتم إعدامه في إحدى الساحات العامة، ولم يقتصر العقاب على العاملين في الحملة بل طال عائلاتهم وهذا ما حدث والد “حمود الموسى” أحد مطلقي الحملة و الذي اتهمت داعش أباه بالتعامل مع الحملة وهذا لم يكن صحيحاً بالمطلق، فقامت ‹‹ داعش›› بقتله رمياً بالرصاص رفقة شباب آخرين وُجهت إليهم ذات التهمة.
ونتيجةً للتأثير الكبير وشعور‹‹ داعش›› ومواليها بالخطر ممّا قامت به الحملة، استمرت بمطاردة العاملين فيها ورّكزت جهودها على ملاحقة ناشطي الحملة في الخارج، واستطاعت عن طريق أحد عملائها قتل ” إبراهيم عبد القادر” أحد أعضاء الحملة في مدينة ” أوروفا” التركية رفقة صديقه “فارس حمادي” في عملية اغتيال جبانة وقذرة تعبّرُ عن منهج التنظيم ودَيْدنه، وتابع “داعش” اعماله باغتيال “احمد الموسى “احد اعضاء الحملة في ادلب وطال الإجرام أيضاً المخرج والصحفي “ناجي الجرف” الذي كان يعمل كمخرج ومدرب لأعضاء الحملة، حيث قامت أحد عملاء ‹‹ داعش›› بملاحقته واغتياله بكاتم الصوت الطريقة المُثلى لداعش ومجرميها، ناهيكَ عن مصادرة سلطات ‹‹ داعش›› لأملاك وبيوت العاملين فيها، وما زال أعضاء الحملة والعاملين معها حتى اليوم عُرضة ً للأخطار وفقد الحياة في أي لحظة وفي أي مكان من هذه المعمورة.
الإنجازات :
مع مرور الأيام وتقادمها ونتيجة للخبرة والمثابرة المُكتسبة، استطاعت الحملة أن تحقق العديد من العديد من الأمور الهامة وأن تنفرد ببثِّ الأخبار الحصرية التي تبيّن صدقها وأسبقيّتها، منها على سبيل المثال اختراق داعش من الداخل وفضح الكثير من أسرارها، وأيضاً نشرت الحملة خبراً عن أحد الإنزالات الجوية التي قامت بها القوات الأمريكية وتم تكذيبه حينها، ليتم الاعتراف به لاحقاً ونشر خبر إعدام الطيار الأردني “معاذ الكساسبة ” قبل 22 يوماً من إصدار‹‹ داعش›› لفيديو يوضح عملية قتله حرقاً، وأيضاً نشرت الحملة خبراً عن إعدام الرهينة البريطاني ” آلان هينينغ” قبل 14 يوماً من بثّ التنظيم لفيديو يُظهر قطع رقبته على يد أحد منتسبي داعش، وبالطبع لا يزال العمل منذ تأسيس الحملة وحتى الآن ونقل الصورة الحقيقية هي أكبر المنجزات للحملة، الأمر الذي خوّلها للحصول على العديد من الجوائز منها على سبيل المثال: جائزة حرية الصحافة من منظمة حماية الصحفيين CPJ وغيرها الكثير وترشحت للعديد من الجوائز الدولية المرموقة.
رسالة الحملة :
منذ بدء الحملة وتأسسها، كانت الفكرة والهدف الرئيسي من إطلاقها هو توثيق الانتهاكات المُرتكَبة بحقّ المدنيين من كلّ الأطراف سواءً من نظام الأسد و ‹‹ داعش›› التي ظهرت لاحقاً وتركّزت جهودنا على فضح جرائمها خاصةً، كونها سيطرت على مدينتنا الرقّة، ولم يقتصر نقلنا للحقيقة كما يُشاع على جرائم داعش بل تحدّثنا عن الانتهاكات التي قامت بها “وحدات حماية الشعب” الذراع العسكري لحزب العمال الكردستاني بنسخته السوريّة، بحق المدنيين العرب والتركمان والكورد وتهجيرهم من قراهم، الذي أكدّته لاحقاً تقارير العديد من المنظمات الدولية كتقرير “امنيستي” وغيرها من التقارير الحقوقيّة، لكنّنا اليوم وبعد مرور الذكرى الثانية على انطلاقة عملنا، وفي غمرة المفاوضات الدولية الخاصة بسوريّة والتي يُراد من خلالها “إعادة تعويم الأسد ونظامه” نؤكّد للعالم أجمع وللكثير من المشككين بعملنا وخياراتنا الوطنية، بأنّ القضاء على الإرهاب لن يتم ولن يصبح عملاً ناجزاً إلاّ بالقضاء على رأسه القابع في دمشق وهو “الأسد” وملاحقة أركان نظامه وأفراد جيشه المتورطين بقتل الشعب السوري وتهجيره، حينها سيستطيع العالم والسوريّين القضاء على “داعش” وأشباهها وإنقاذ سوريّة والعالم ككل من أخطار الإرهاب وشروره.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.