خاص – الرقة تذبح بصمت
كان تنظيم داعش يضع اللمسات الأخيرة على التحضيرات والاستعدادات الجارية على قدم وساق لشن عملية عسكرية وذلك قبيل سريان الهدنة التي رعتها الولايات المتحدة الامريكية وروسيا وتم استثناء داعش وجبهة النصرة منها كما هو معلوم، وتشير التسريبات التي علمت بها “الرقة تذبح بصمت” أن الحديث كان يدور في أوساط التنظيم عن خطة جديدة تهدف إلى السيطرة على منطقة استراتيجية وإعادة تفعيل شعاره ( باقية وتتمدد )، ويبدو أن هذا التحرك الوشيك يهدف إلى تحقيق عدة أهداف:
أولاً :
التنظيم لا يجيد الدفاع عن المناطق التي يسيطر عليها بشكل جيد، وغالباً ما يضطر إلى الانسحاب منها تحت وطأة القصف الجوي المكثف الذي يشنه طيران التحالف الدولي كغطاء للقوات التي تهاجم التنظيم على الأرض، مثل مل حصل في ريف الرقة الشمالي والحسكة والرمادي, ويبدو أن التنظيم بدأ في استخلاص الدروس والعبر من هزائمه المتكررة في الآونة الأخيرة، حيث بات يدرك أنه يبرع في الهجوم من خلال الاعتماد على الانغماسيين وتفجير العربات المفخخة الذين يعتبران العمود الفقري في تكتيكه العسكري, أما سياسة التمترس بالخنادق وصد القوات المهاجمة فهي نقطة ضعف كبيرة لدى التنظيم الأمر الذي بدا واضحاً وجلياً في المعارك التي خاضها مؤخراً في ريف حلب الجنوبي (خناصر).
وبناءً على ما سبق فإن التنظيم كان ينوي شن عملية عسكرية وقائية تهدف بصورة أساسية إلى الدفاع عن مناطق سيطرته بريف حلب الشرقي ومنطقة الطبقة، وذلك من خلال التقدم والسيطرة على مناطق جديدة لتشكل حزاماً دفاعياً جديداً للمناطق التي يسيطر عليها مسبقاً, وذلك عملاً بمبدأ “خير وسيلة للدفاع … الهجوم”، فالهجوم سوف لن يوفر له مناطقاً جديدة وحزاماً عازلاً وحسب، بل سوف يقوم بشتيت تركيز القوات المهاجمة وإشغالها في مناطق جديدة وبعيدة نسبياً عن معاقله ومناطق سيطرته، ويبدو أن العملية العسكرية الخاطفة التي نفذها التنظيم في مدينة تل أبيض خلال الأيام الفائتة تأتي ضمن هذا التفكير والسياق.
وكما أسلفنا فإن الحديث يدور في أوساط التنظيم عن نيته في الهجوم والسيطرة على منطقة ذات أهمية استيراتيجية – غالباً في سوريا – وذلك من أجل إشغال الروس والأمريكيين على حد سواء في تلك المعركة الجديدة, وبالنظر إلى خارطة تواجد التنظيم في سوريا مع تحليل بسيط اعتماداً على التمهيد الذي سردناه آنفاً، فإن التنظيم سوف يعمد إلى مهاجمة واحدة من المناطق الثلاث التالية:
أ- مدينة سلمية بريف حماه الشرقي, والتي تعتبر نقطة استراتيجية وبالغة الأهمية على طريق إمداد النظام الوحيد بين المناطق التي يسيطر عليها في شمال ووسط وجنوب سورية، كما تأتي أهمية هذه المدينة من جانب آخر من خلال بعدها الطائفي وتركيبتها السكانية، حيث يقطن المدينة غالبية من الطائفة الاسماعيلية وهي إحدى الطوائف التي تعتبر من الأقليات الصغيرة في سورية وينظر إليها التنظيم على أنها مجموعة من الكفار والمرتدين عن دين الإسلام، ويبدو أن هذه العملية سوف تكون إذا تكللت بالنجاح ضربة موفقة للتنظيم وفي هذا الوقت بالذات، فعدا عن البعد العسكري والاستراتيجي للمدينة فإن التنظيم سوف ينجح في نشر الذعر والهلع في أوساط القوى الإقليمية والدولية من تكرار سيناريو ما حدث في سنجار بالعراق وما فعله التنظيم بالأهالي آنذاك.
وبالعودة إلى البعد العسكري فإن الهجوم على المدينة ليس مستحيلاً وقوات التنظيم ليست ببعيدة عنها، وهذا الهجوم سوف يأمن للتنظيم عدة أهداف أولها إشغال جميع اللاعبين بمن فيهم النظام السوري الذي سوف يركز عليها بشكل كبير من أجل حماية القرى العلوية القريبة والمحاذية لها، فضلاً عن عدم رغبته في تفويت مثل هذه الفرصة التي تمنحه امكانية الظهور كحامٍ للأقليات في المنطقة, وكذلك إشغال طيران التحالف الدولي بتلك المعركة وبالتالي إفساد الخطط وعرقلة التحضيرات من أجل التقدم الى الرقة عبر تلك المنطقة وإفشالها أو تأجليها إلى وقت لاحق على أقل تقدير.
ب- مدينة إعزاز بريف حلب الشمالي على الحدود التركية وبقية المناطق التي لاتزال بيد فصائل المعارضة المسلحة، والتي تحارب على جبهتين أخريتين في نفس المنطقة، واحدة ضد النظام والميليشيات الموالية له والأخرى ضد وحدات الحماية الكردية والميلشيات الموالية لها أيضاً، فالمعارضة في أضعف حالاتها في الوقت الراهن لأنها لن تتمكن طويلاً من الصمود على الجبهات الثلاث المذكورة.
التنظيم بدوره لن يفوت مثل هذه الفرصة التي سوف حقق له جملة من الأهداف والمكاسب أولها بسط سيطرته على منطقة حدودية جديدة بالغة الدقة والأهمية، فضلاً عن إحراج الجانب التركي الذي يعلن مراراً وتكراراً عن جديته في محاربة التنظيم الذي سوف يكون من جديد على مقربة شديدة من حدوده الجنوبية، وكذلك إحراج الروس من حيث إمكانية قصف هذه المنطقة نظراً لقربها من الحدود التركية واقترابها من مناطق تواجد المسلحين الاكراد، وبالتالي سوف يكون الحل الوحيد لمواجهة التنظيم هو دعم المقاتلين الأكراد في اقتحام المنطقة الأمر الذي تعارضه تركيا بكل تأكيد، وفي المحصلة فإن التنظيم سوف يستفيد من اللعب على التناقضات والاختلافات بين مختلف اللاعبين في المنطقة.
ج- مدينة دير الزور والتي قام التنظيم فيما سبق بعدة محاولات للسيطرة عليها وكلها باءت بالفشل، وبالتالي فإن التنظيم سوف يستغل شكوك النظام بقدرته على تكرار الهجوم على المدينة بسبب الخسائر الفادحة التي مني بها في المرات السابقة، ولكن هذه المحاولات وعلى الرغم من فشلها فإنها قد أسهمت في إضعاف قوات النظام واستنزافها بشكل كبير، فضلاً عن إرهاق المدنيين وإنهاكهم بسبب حالة الحصار التي يفرضها التنظيم على المدينة منذ عدة شهور.
والمدينة في حال السيطرة عليها سوف تكون صيداً ثميناً بالنسبة للتنظيم نظراً لكميات السلاح الكبيرة المتواجدة فيها، وكذلك إشغال طيران الروس والتحالف الدولي في معركة طويلة، من أجل تشتيت الجهود وإبعادها عن معاقل التنظيم وملاذاته لآمنة الأخرى.
د- دغدغة الريف الشمالي بالرقة ورأس العين وعين العرب بشكل شبه يومي عن طريق الانغماسيين والعمليات المشابهة لتلك الأخيرة التي حصلت في تل أبيض وريفها والتي لم تنتهي بالرغم من مرور 72 ساعة على بدءها، فضلاً عن استمرار سيطرة التنظيم على مجموعة من القرى بعدد قليل من المقاتلين واشغال الطيران بملاحقة كل عنصر على حده, واثبات فشل نظرية استتباب الأمان في المناطق التي يخرج منها التنظيم, ومن جهة أخرى الإبقاء على المدنيين بمحافظة الرقة كدروع بشرية لعدم تمكنهم من الخروج شمالاً تجاه مناطق سيطرة الأكراد لغياب عامل الأمان, وجنوباً حيث لا يرغب المدنيون أصلاً بالذهاب إلى مناطق سيطرة النظام نتيجة لعدم ثقتهم في سلوكه وردات فعله تجاههم.
ثانياً :
كسب ثقة المدنيين وإعادة بعث فكرة التنظيم الذي لا يقهر وبأن دولته باقية رغم كل الصعاب والتحديات، والتي بدأت تتلاشى وتخبو في الآونة الأخيرة حيث يدور الحديث بين العامة أن أيام التنظيم باتت معدودة وخروج الرقة والموصل عن سيطرته ليست إلا مسألة وقت لا أكثر، والتي تعززت كثيراً في أعقاب خسائر التنظيم بالحسكة وريفها.
ولكن التنظيم يحاول من جهة أخرى الاستفادة حتى من خسائره، وذلك من خلال توفير الدافع لدى ذوي المقاتلين الذين يلقون حتفهم في معاركه من أجل مزيد من الدعم والالتفاف الشعبي حوله من جهة، وفتح أبواب جديدة لتجنيد مقاتلين جدد بدافع الانتقام والثأر من الجهة الأخرى، الأمر الذي عمل التنظيم على استغلاله والاستفادة منه بشكل كبير بعيد انتهاء المعارك في عين العرب (كوباني)، والتي خسر فيها المئات من مقاتليه ولكنه كسب بالمقابل أعدادا ً مضاعفة نتيجة للعوامل التي ذكرناها للتو.
ثالثاً :
جذب العناصر الأكثر تطرفاً لدى التنظيمات الراديكالية الأخرى مثل جبهة النصرة وجند الأقصى نحو التنظيم الذي يقاتل ولا يعرف الهوادة في مقاتلة الكفار حسب زعمه، وبالتالي إضعاف تلك الفصائل وزيادة إضافية في قوته وربما زيادة في مناطق سيطرته دونما قتال من خلال بيعات من تلك المجموعات، حيث لا يستبعد أن تقوم مجموعات من هذه الفصائل بالانضمام إلى صفوف التنظيم نظراً لأنها لم تبدِ أي تعليق حول التنظيم وسلوكه فضلاً عن عدم إشتراكها في أي قتال ضده في الفترات السابقة.
كل هذه العوامل سوف تؤدي إلى بروز نجم التنظيم وتزايد قدراته البشرية والعسكرية وجذب المزيد من المقاتلين إلى صفوفه فيما يشبه حركة كرة الثلج التي لن تتوقف عند حدود المقاتلين المتطرفين وحسب، بل يمكن أن تتعداها إلى مختلف الفصائل التي تواجه النظام والميليشيات الطائفية والعرقية الموالية له، في ظل أجواء اليأس والشعور بالخيبة والتخلي عنها من قبل بعض الأطراف الدولية التي كانت تعد بالأمس صديقة لها وتقوم اليوم بدعم أعداءها الجدد.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.