خاص – الرقة تذبح بصمت
حالها كحال جميع المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش في كل من العراق وسورية. فالكهرباء اصبحت نادرة الوجود بالرغم من وجود سد الفرات في المدينة والذي يقوم بتوليد كميات كبيرة من الكهرباء تكفي احتياجات عدة مدن، إذن كيف يمكن لمدينة تحتوي على سد يولد كميات هائلة من الطاقة أن تعاني من شح التغذية الكهربائية على مدار العام، الأمر لا يخلو من الغرابة ولكن تفسير هذا التناقض يتعدى الغرابة ويصل إلى درجة السخرية.
فالتنظيم الذي أنشأ خلافته المزعومة ونصب نفسه قيماً عليها يقوم ببيع قسم كبير من الطاقة التي ينتجها السد للنظام، أي أنه يحرم رعاياه “المسلمين” من الكهرباء وهم في أمس الحاجة لها، من أجل أن ينعم بها “الكفار والنصيريون” الذين يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد، والتبرير الذي يسوقه التنظيم ومناصروه لتغطية هذه الفضيحة هو الحاجة للموارد المالية في ظل تقلص موارد التنظيم وتراجعه اقتصادياً وعسكرياً في الآونة الأخيرة.
وفي سياق متصل، وفي إطار سعي التنظيم إلى تنويع موارده المالية فإنه يقوم بفرض الغرامات والضرائب على مختلف السلع والمواد والخدمات والنشاطات الاقتصادية التي تمس حياة المواطنين اليومية بشكل مباشر، كما بات يلاحظ الأيام الأخيرة اختفاء بعض المواد الغذائية الرئيسية من الأسواق، وذلك بسبب احتكار بيعها من قبل التنظيم، مثل السكر الذي وصل سعر الكيلوجرام الواحد منه إلى 450 ليرة سورية، بعد أن تم احتكاره وحصر بيعه لدى التجار التابعين للتنظيم.
ولم يكتف التنظيم بملاحقة المدنيين في قوتهم ولقمة عيشهم وحسب، بل إنه لا يزال يزيد من القيود الأمنية التي تكبلهم وتعيق حياتهم على مختلف الصعد، الأمر الذي حول المدينة بأكملها إلى معتقل كبير، فالتنظيم يمنع الدخول والخروج من أراضيه إلا لظرف طبي قاهر أو سبب آخر يقنع الأمنيين التابعين له، وهذا ما أفاد به “منصور” وهو أحد أهالي الطبقة الخارجين حديثاً من المدينة، حيث قال: “كلفني وصولي للأراضي التركية ما يقارب 100.000 ليرة سورية، كان القسم الأكبر منها عبارة عن رشوة لأحد عناصر التنظيم كي يستخرج لي الموافقة المطلوبة من أجل الخروج من مناطق سيطرة التنظيم”، ويتابع منصور فيقول: “مدينة الطبقة التي كانت من أجمل المدن السورية، اصبحت اليوم شاحبة وشوارعها خالية من السكان الذين يفضلون إلتزام بيوتهم على الخروج والتعرض للمضايقات والتوجيهات من قبل عناصر التنظيم والمخلصين له (المخبرين من أهل المدينة).”
لم يعد الوضع الاقتصادي والأمني السيء هو الأمر الوحيد الذي ينغص عيش المدنيين. فالوضع الصحي داخل المدينة ليس بأفضل حالاً، حيث سجلت عدة حالات وفاة نتيجة ارتفاع حرارة الجسم في قرى المدينة في ظل غياب الأدوية والعلاجات المناسبة لمثل هذه الحالات، الأمر الذي أصبح هاجساً جديداً لدى المواطنين ليضاف نوع جديد من الموت إلى لائحة الموت الطويلة داخل المدينة، والتنظيم كعادته لا يحرك ساكناً ويستمر في تجاهله للمعاناة التي يقاسيها المدنيون في جميع مناحي الحياة.