خاص – الرقة تذبح بصمت
“على رعية أمير المؤمنين المسافرين من ولاية إلى ولاية مراجعة ديوان الحسبة، وأخذ أذن سفر وإلا سيعاقب كل مخالف.”
هذا نص القرار الذي أصدره التنظيم مؤخراً، وليس أمام المدنيين إلا تطبيقه دون جدال. حيث لم يكتف التنظيم بتضييق الخناق على المدنيين من خلال منع السفر خارج مناطق سيطرته، إلا بعد الحصول على إذن سفر من قبله ومعرفة كافة المعلومات والتفاصيل عن المسافرين كبياناتهم الشخصية وأسباب سفرهم، فالتنظيم يدعي بأنه لا يسمح للمواطنيين بمغادرة “دار الإسلام” والسفر إلى “دار الكفر” حرصاً على سلامتهم.
وفي الواقع فإن أهالي الرقة يعرفون تمام المعرفة أن سبب إصدار القرار ليس الحرص على المدنيين كما يدعي التنظيم، بل إن هدفه الحد من هجرة المدنيين بعد بيع ممتلكاتهم وأثاثهم بثمن بخس خوفاً من بطش التنظيم الذي طالت ممارساته الكبير والصغير، وهرباً من الجحيم الذي يقاسيه المدنيون داخل المدينة بسبب القصف والموت اليومي والارتفاع الفاحش في أسعار المواد الغذائية والتموينية.
كما يبدو أن التنظيم يهدف من خلال هذا القرار إلى الحد من حالات الانشقاق داخل صفوفه من جهة أخرى، والتي باتت تشكل مصدر قلق له لا سيما بعد الانهزامات التي شهدها على عدة جبهات كمدينة تل أبيض بالريف الشمالي للمحافظة. ومن أبرز هذه الانشقاقات، انشقاق مدير المشفى الوطني في الرقة، الطبيب أبو الوليد التونسي في تشرين الأول من العام المنصرم، والذي كشفت اعترافاته عن حالات إدمان لبعض عناصر التنظيم على المخدرات، كما كشف عن عدة حالات لإصابة البعض الآخر من عناصر التنظيم بمرض الإيدز، وذلك وفقاً لمقطع مصور بثه المكتب الإعلامي التابع لجبهة الأصالة والتنمية وهو فصيل مسلح يعمل في ريف حلب الشمالي.
ويأتي القرار الأخير ليضاف إلى سلسلة القرارات التي تضيق الخناق على المدنيين وتحد من حركتهم حتى داخل المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، وهذا ما أفاد به “أبو محمود” وهو أحد سكان مدينة الرقة ويعمل بائع ألبسة مستعملة، حيث تحدث “للرقة تذبح بصمت” قائلاً: ” بقينا لأكثر من ثلاث ساعات في كراج الرقة وذلك بحجة التأكد من البطاقات الشخصية و إذن السفر الذي فرضه التنظيم علينا حديثاً، قبل أن ننطلق باتجاه مدينة حلب، استوقفنا حاجز “المقص” عند مدخل محافظة الرقة لفترة وجيزة، ثم عاودت الحافلة سيرها حتى وصلنا إلى الحاجز الشرقي لمدينة مسكنة، حيث أوقفنا عناصر التنظيم وطلبوا من جميع المسافرين إبراز البطاقة الشخصية وإذن السفر وباشروا في تدقيقها والتأكد من صحتها من خلال التمعن في وجوهنا.”
أكمل “أبو محمود” قائلاً: ” كان معنا في الحافلة ثلاثة من عناصر التنظيم من غير السوريين، خضع العناصر الثلاثة للتدقيق والتفحص حيث طلب منهم عناصر الحاجر بطاقاتهم التي تثبت انتمائهم لصفوف التنظيم كما طلبوا منهم الأوراق التي توضح طبيعة مهمتهم وتبرر سفرهم، صدقني تم التدقيق على أوراق مهامهم أكثر منا ولا علم لي لما كل هذا التدقيق.”
ومن جهة أخرى فقد أخبرنا “أبو جمعة” وهو اسم مستعار لأحد سائقي شاحنات نقل المازوت التي تعمل على طريق الحسكة-إدلب، أن بعض عناصر التنظيم يحتالون على قراراته من خلال الهروب داخل شاحنات نقل المواد البترولية وإجبارها على سلوك الطرق التي تخلو من حواجز التنظيم ونقاط التفتيش التابعة له، حيث قال:”أوقفني خمسة عناصر عند حاجز طيار تابع للتنظيم وطلبوا مني أن أوصلهم إلى مدينة الباب، حيث وجهوني إلى سلوك طرق تختلف عن طريقي المعتاد وتخلو من حواجز التنظيم، وبالفعل فقد أوصلتهم إلى إحدى قرى مدينة الراعي المحاذية للحدود التركية حيث كانت سيارة أخرى في انتظارهم في ذلك المكان.”
يحاول التنظيم جاهداً رأب الصدوع التي تعتري صفوفه بين الفينة والآخرى، وذلك من خلال فرض المزيد من القرارات التي تستهدف الحد من هروب عناصره وقيادييه على حد سواء، ولكن المفارقة أن عناصر التنظيم يتمكنون من خلال مكانتهم وعلاقاتهم داخل التنظيم من الهروب والتحايل على هذه القرارات، لينحصر تأثيرها كالعادة على المدنيين الذين لا حول لهم ولا قوة.