خاص – الرقة تذبح بصمت
استطاع تنظيم “داعش” في الثاني عشر من كانون الثاني/يناير عام ٢٠١٤، السيطرة على كامل محافظة الرقة، عقب معارك عنيفة مع فصائل تابعة للجيش الحر وأخرى إسلامية، قاتل بعضها حتى الرمق الأخير ورفع بعضها الآخر رايته البيضاء ليكون الضحية الأسهل للتنظيم، الذي أعلن لاحقاً خلافته متخذاً من الرقة عاصمة لدولته المزعومة.
لمَ الرقة؟
الرقة هي أول محافظة حررت بكاملها من نظام الأسد على أيدي مقاتلي الجيش الحر في آذار/مارس عام ٢٠١٣، إثر اشتباكات استمرت عدة أيام بين الطرفين، إذ لم تشهد بنيتها التحتية تدميراً كبيراً مقارنة بغيرها ونظراً لإحتوائها على العديد من المصادر المهمة للحياة كنهر وسدّ الفرات أكبر السدود في سوريا توليداً للطاقة الكهربائية، إضافة للمحاصيل الزراعية الوافرة والحدود البرية والبوابة الحدودية مع تركيا وعدد من حقول النفط، فضلاً عن قربها الجغرافي من العراق وبساطة أهلها، كلّ ذلك دفع التنظيم لإتخاذها عاصمة له.
الرقة ديمغرافياً:
خلال العامين الماضيين نزح المدنيون من وإلى الرقة التي استقبلت نازحين جدد من ريف حمص الشمالي وعدد من قرى ريف حلب الشرقي نتيجة المعارك الضارية في مناطقهم، كما شهدت مدينة الرقة حركة نزوح كبيرة إلى الريف المحيط بها ونحو تركيا على خلفية الغارات المدمرة التي نفذها الإحتلال الروسي ضد مواقع مدنية إلى جانب تهجير التنظييم للعوائل الكردية خارج الرقة.
الرقة اقتصادياً:
تعتمد الغالبية العظمى من سكان ريف محافظة الرقة على الزراعة كمصدر أساسي للمعيشة، والتي تراجعت بعد سيطرة التنظيم على المنطقة كونه فرض العديد من الضرائب على المزارعين تحت اسم “الزكاة”، إضافة إلى الإرتفاع الحاد في أسعار السماد المستخدم في الزراعة والذي يتم استيراده من تركيا.
ولعب الإنهيار الحاد الذي شهدته الليرة السورية دوراً رئيساً في ارتفاع الأسعار، نظراً لأن سكان مدينة الرقة في معظمهم يعتمدون على الرواتب المقدمة من نظام الأسد والتي تم قطعها بشكل شبه نهائي عنهم بعيد سيطرة التنظيم، كما كان لعناصر التنظيم دوراً أساسياً في رفع أسعار السلع الأساسية نتيجة الأجور الكبيرة التي يقدمها لمنتسبيه.
جميع هذه الأسباب أدت إلى تراجع الوضع المعيشي لسكان محافظة الرقة وإرتفاع الأسعار بشكل كبير يفوق قدرة السكان المحليين على تأمين مستلزمات الحياة الأساسية، ما دفع التنظيم لإستغلال الأوضاع المادية المتردية لصالحه دافعاً عدداً من المدنيين للإنخراط في صفوفه.
الرقة تعليمياً:
أصدر التنظيم عقب سيطرته على الرقة قراره الأول بإغلاق المدارس والجامعات، متهماً كل من تعلم أو عمل في تلك المدارس والجامعات بالردة ومطالباً إياهم “بالإستتابة” عن الوقوع بالردة بحسب وصفه، حارماً أجيالاً بكاملها من حق التعلم، ودافعاً الأطفال إلى الإنضمام إليه عن طريق المهرجانات والحلقات التعليمية التي يقيمها في الساحات والمساجد.
وجاء كلّ ذلك، قبل أن يعلن التنظيم عن إفتتاح كلية الطب الخاصة به في مدينة الرقة وافتتاح مدرستين إحداهما للذكور وأخرى للإناث خصصتا لتدريس المناهج الخاصة بالتنظيم، وما كان من أهالي المدينة إلا العزوف عن إرسال أبنائهم إليها خوفاً من استهدافها من قبل طيران النظام السوري واستخدام التنظيم تلك المدارس في عملية غسل الأدمغة للأجيال الناشئة.
الرقة عسكرياً:
شهد العام الأخير من سيطرة تنظيم داعش على محافظة الرقة تراجعاً كبيراً في مناطق سيطرته في الريف الشمالي لصالح قوات حماية الشعب الكردية وعدد من فصائل الجيش الحر، لتخرج مدينة تل أبيض وريفها بالكامل عن سيطرة التنظيم.
كذلك ساهمت غارات التحالف الدوليّ في تراجع قوة التنظيم في الرقة حيث استهدفت معظم المواقع الرئيسية للتنظيم واغتالت عدداً من قيادته داخل المدينة، الأمر الذي دفعه لنقل مواقع مقراته الرئيسية إلى داخل الأحياء السكنية الخاصة بالمدنيين كما كان لبدء العدوان الروسي دوراً كبيراً في حالة الهلع التي شهدتها المدينة مؤخراً نتيجة لإستهدافه المدنيين في معظم غارته.
الرقة معيشياً:
فرض التنظيم منذ بدأ سيطرته على الرقة, عدداً كبيراً من القرارات, على المدنيين, كفرض اللباس الكامل للنساء, والذي وصفه التنظيم باللباس “الشرعي”, والتحكم باللباس الخاص بالرجال, وإغلاق مقاهي الإنترنيت, وقرار منع التلفاز وأجهزة الإستقبال الفضائي في المحلات العامة, ومنع النساء من السفر دون وجود “محرم”, ليتجاوز القرار ذلك لمنع المدنيين من الخروج مناطق سيطرة التنظيم, في محاولة منهم لإستخدامهم كدروع بشرية في المستقبل, وكان لتلك القرارات دوراً كبيراً في التضييق على الحياة العامة للناس.
الرقة خدمياً:
عمد تنظيم داعش بعيد سيطرته على الرقة إلى إيقاف عمل المجالس المحلية ومصادرة المعدات التابعة لها مستحدثاً بدلاً عنها “الهئية العامة للخدمات الإسلامية” والتي بدأت بتحصيل الضرائب من المحلات التجارية والمنازل بحجة تأمين الخدمات العامة لها كما بدأ بتحصيل فواتير الهاتف والكهرباء والمياه من المدنيين رغم انقاطعها لفترات طويلة، كما أصدر التنظيم قراراً منع بموجبه عمل المنظمات الإنسانية والخدمية في محافظة الرقة ومصادرة المعدات الخاصة بها بالرغم من عدم توفيره للخدمات البديلة.
الرقة طبياً:
تراجعت الخدمات الطبية الأساسية المقدمة للمدنيين منذ سيطرة التنظيم على المرافق الصحية في المدينة، كما انتشرت العديد من الأمراض نتيجة الوضع الخدمي المتردي وعدم الإهتمام بتعقيم المياه المخصصة للشرب، فيما تعرض المشفى الوطني في الرقة لقصف عنيف من قبل طيران النظام والطيران الروسي، ما أدى إلى توقف عمل قسم الكلى وقسم أمراض الدم عن العمل، مهدداً حياة المئات من المدنيين.