أثارت قضية اغتيال الصحفي السوري ناجي الجرف رئيس تحرير مجلة “حنطة” في مدينة غازي عينتاب التركية الجدل ثانية حول استهداف الصحفيين والناشطين السوريين المعارضين حتى وإن كانوا في الخارج، والجهات المستفيدة من هذه العمليات. كما أعاد هذا الاغتيال إلى الأذهان قضية قتل صحفيين يعملان في حملة “الرقة تُذبح بصمت” في أخر شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي أي قبل أقل من شهرين فقط من هذه العملية في مدينة أورفة التركية أيضاً، وقد قتلا بصمت، إذ وُجدا مذبوحين في بيتهما. وهناك العديد من محاولات الاغتيال الأخرى، منها ما نجح، ومنها لم ينجح، في مناطق مختلفة من تركيا، وكلها استهدفت معارضين سوريين أو مقاتلين سابقين في صفوف الجيش السوري الحر.
أشارت الصحافة التركية إلى احتمال أن تكون داعش وراء عمليات الاغتيال تلك، لأن الصحفيين المذبوحين في أورفة كانا يوثقان جرائم داعش في مدينة الرقة التي أعلنها التنظيم عاصمة لخلافته، ولم تصل التحقيقات بعد إلى أية نتائج مؤكدة، علماً أن الجهات الأمنية التركية أشارت إلى إمكانية أن يكون المشتبه به في قضية اغتيال الصحفيين المذكورين إبراهيم عبد القادر وفارس حمادي اللذين قضيا ذبحاً، قد غادر الأراضي التركية باتجاه منطقة تسيطر عليها داعش.
وكذلك ارتبط اغتيال ناجي الجرف بداعش، فهو الذي أخرج فيلماً بعنوان “داعش في حلب” فضح فيه تصرفات هذا التنظيم قبل أن يطرد من هذه المدينة، وتبين بأنه تلقى تهديدات عندما كان يصور الفيلم، وبعد تصويره.
بسبب تسهيلات دخول السوريين إلى تركيا، والتي أعلنت السلطات التركية عن تقليصها اعتباراً من الثامن من شهر يناير/ كانون الثاني بفرض تأشيرة دخول عليهم، فقد دخل هذا البلد كثيرٌ من المؤيدين للنظام السوري ورجال أمنه الذين يتحركون بحرية على الأراضي التركية، ويحاولون التواصل مع كثير من الناشطين، والأكثر من هذا أن شركة أجنحة الشام التي يمتلكها ابن خال رأس النظام السوري رامي مخلوف تسيّر رحلات منتظمة بين دمشق وتركيا، وتنقل على متنها ناشطين مقربين من النظام السوري أو عملاء لهذا النظام.
عمليات اغتيال وخطف كثيرة لناشطين سوريين على الأراضي التركية، ولكن أياً من تلك العمليات لم تستهدف ناشطاً سورياً مؤيداً للنظام السوري، ولا أتمنى أن تحدث عمليات كهذه، لأن أية عقوبة مهما كانت خارج نطاق القانون مرفوضة ومدانة، ومن يطالب بحق الاحتكام للقانون لنفسه عليه أن يقبل بهذا الحق للآخرين، ولكن هذا السؤال لابد وأن يخطر بالبال، وخاصة إذا كانت داعش هي التي تقف وراء تلك الاغتيالات، وهي بكل الأحوال تتبناها رسمياً، أو بشكل شبه رسمي من خلال الإشادة بها على المواقع القريبة من التنظيم، فلماذا لا تستهدف نشطاء متعاونين مع المخابرات السورية يعملون على الأراضي التركية؟
لا تخفي داعش أن المعارضين السوريين هم على رأس أهدافها، وتسميهم “عملاء الصليبيين”، لذلك فإن أية عملية اغتيال لناشط سوري سرعان ما تُربط بداعش. ولعل هذا ما يثير الربط بين داعش والنظام السوري، فكلاهما يطارد الأشخاص أنفسهم، وحتى يمكن القول إن هناك شبه تطابق بين قوائم المطلوبين للنظام السوري وقوائم المطلوبين لنظام داعش.
ما يدعم هذه الشبهة أنه على الرغم من ادعاء روسيا وإيران محاربة داعش في سورية، فإن الوقائع على الأرض تشير إلى عكس ذلك، فالغارات الجوية الروسية تستهدف الفقراء الذين لم يستطيعوا إيجاد ملاذ أكثر أمناً على الأغلب إضافة إلى القوى المسلحة التي تقاتل داعش.
يمكن لطرفين متخاصمين أن يلتقيا بالأهداف، وهناك أمثلة عديدة في التاريخ، فالاتحاد السوفيتي تحالف مع الرأسمالية العالمية ضد النازية التي يعتبرها خطراً أكبر، لذلك ليس من المستغرب تحالف النظام مع داعش لأنه يعتبر المعارضة الديمقراطية خطراً أكبر عليه، ولكن المصيبة هي ادعاء كل منهما محاربة الآخر، والحصيلة هي قتل المساكين الأبرياء. ولعل الأخبار الأخيرة حول اتفاق النظام السوري مع داعش لخروجها من جنوب دمشق إلى عاصمة الخلافة بغطاء جوي روسي، ودون أي مقابل، ليس سوى حلقة جديدة من حلقات الالتقاء بالأهداف، فمن الذي أدخلهم إلى ذلك المكان الذي يحاصره النظام أصلاً؟
كان الهدف منذ البداية تقديم النموذج الأسوأ من النظام لكي يقارن العالم بين الطرفين ويصل إلى نتيجة أن النظام السوري أفضل من داعش، ويدعمه. ولكن القوى الديمقراطية أو التي اصطلح على تسميتها معتدلة، وخاصة تلك التي لا تنتمي إلى الغالبية السنية، مثل ناجي الجرف تشوّش على هذه الخطط، لذلك أدرج النظام السوري اسم ناجي على ما يسمى قوائم الموت، أي إلى فرع الأمن الذي خرجت منه غالبية صور “سيزار” للضحايا الذين قضوا تحت التعذيب، وأثارت العالم كله، ولكنه بعد ذلك صمت.
وداعش أيضاً تفكر بأن يفاوضها العالم كما فاوض طالبان في أفغانستان، لذلك فإن أي قوة بديلة لها وللنظام تؤثر على استراتيجيتها، فهي تريد أن تتخلص من هذه القوى بأي شكل من أجل أن تفرض نفسها طرفاً معترفاً به.
التشابه لا يقتصر الأهداف الاستراتيجية والمدرجين على قوائم المطلوبين لكل من النظام السوري وداعش، بل التهمة أيضاً، فهذا النوع من المعارضين مثلما يتهمهم تنظيم داعش بأنهم “عملاء الصليبيين” يتهمهم النظام السوري بأنهم “عملاء الغرب”، ولعل التسمية التي يطلقها النظام السوري أكثر التصاقاً بالتراث الإسلامي، فكلمة الصليبيين لم يكن يستخدمها المسلمون، بل كانوا يطلقون عليهم الفرنجة.
المصدر : mubasher.aljazeera.net