لم أعد أعرفها … غيّروها وأصبحت أم الفداء الأنصارية

خاص – الرقة تذبح بصمت

هل كان قدرنا أن نكون أبناء تلك المدينة الصغيرة البسيطة الواقعة على نهر الفرات والتي لطالما لم يسمع بها الكثيرون وحتى أبناء بلدي؟
هي الرقة مدينتي وأنا أشبهها ببساطتها ورقتها كنهر الفرات الذي يجاورها، عمري 21 عاماً واسمي فرات خرجت من الرقة لمناطق سيطرة النظام لأتابع دراستي مع قسم من أفراد عائلتي فيما بقي آخرون في الرقة حفاظاً على منزلنا الذي هو كل ما نملك.
قليلاتٌ هن اللواتي استطعن الخروج لاستكمال الدراسة، تشتتنا وتفرقنا في سوريا وخارجها وبكل القارات، كنا خمس طالبات، ثلاث منا تعرفنا على بعضنا خلال المرحلة الإعدادية، كنا أنا وبتول من الصف الثالث الإبتدائي معاً، عشنا أيام لا تنسى ضحكنا وفرحنا وتقاسمنا الأفراح والأتراح، نضجنا سوية وعشنا الطفولة وسن المراهقة.
دارت الأيام وابتعدنا عن بعضنا البعض واجتمعنا ثانيةً على الفيس بوك وتبدلت الأحوال لكن حميم العلاقة لم يصبه فتور، فرح تزوجت من قريب لها وتقيم معه في تركيا، لمى تزوجت وخرجت مع زوجها إلى اوروبا واستقر بهم الحال في ألمانيا، رهف تزوجت من ابن عمها وانتقلت للعيش معه بالسعودية، لكن الصدمة كانت بتول صديقة الطفولة وأقربهن إلى قلبي، بقيت في الرقة ولم تتزوج لكن بداية المفاجأة كانت اسمها على فيس بوك وحسابها الجديد، أصبحت “أم الفداء الأنصارية” وضعت صورة شخصية لها وهي تحمل بندقية وترفع السبابة والسواد يغطيها.
تحدثت معها ولم أنتبه بداية للاسم أو ماهية الحساب وما جعلني أتوقف وأنظر جيداً لما نشرته طبيعة كلامها معي، فمن بعد السلام والاطمئنان لاحظت أن التدين بدا واضحاً عليها وهي لم تكن على هذا الحال، للحظات لم أدرك أن التي أكلمها هي بتول، تفحصت صفحتها، أم الفداء الأنصارية، فتاة من فتيات الخلافة هكذا تعرف عن نفسها، طالبة للشهادة والصديقات غالبيتهن تونسيات ومغربيات، البوستات هي أحاديث وآيات ومقولات لابن تيمية وأقوال مأثورة لشامل باساييف وخطاب وأسامة بن لادن، إلى جانب خطابات توعد للنصيرية والنصارى والمجوس والكفار والمفخخات.
تحدثت معها مرة أخرى وكنت قد أقنعت نفسي أن هذا الحساب وهذه البوستات للتمويه وللعوامل الأمنية كونها مقيمة في الرقة، بدأت تلومني لأنني لست منقبة ولأنني أدرس في جامعة مختلطة وبأنه يتوجب علي أن أبقى في المنزل وألا أحضر سوى الامتحان لأن ذلك حرام، وهي تعلم جيداً أنني محجبة قبلها ولباسي محتشم أكثر منها.
أصبت بحالة من الذهول وكلما كلمتها أكثر كلما أصابتني الصدمة أكثر ثم تفاجأت أنها عملت مؤقتاً في ديوان التعليم لدى التنظيم وخفت أن أتحدث عنه بشيء من السوء فيتسبب ذلك بضرر إخوتي الذين بقوا في الرقة، تغيرت بتول وباتت تلك الفتيات المغربيات أعز صديقاتها واللاتي تخشى أن تنظر لما يقمن بنشره على الفيس بوك، وبدأ فصل جديد من فصول التعرف مجدداً على صديقتي القديمة الجديدة الطامحة لعملية استشهادية.
بحديثي فهمت أنها أرادت أن تكون من نساء الحسبة لكن الإخوة المناصرين لداعش رفضوا هذا لأنهم يعرفون أن هنالك أشياء قد تحدث مع الكتيبة والتي لا تناسب فتاة، وهي حدثتني عن ذلك لكن كان لديها قناعة أن تلك الأخطاء فردية ولا يجب علينا التعميم وأن داعش تمثل دولة الإسلام. قمة الطموح لديها باتت الزواج من أحد عناصر التنظيم ومن المهاجرين حصراً لتتنقل معه في جهاده الأبدي، الفكرة التي ترفضها العائلة المناصرة للتنظيم والمستفيدة منه حيث تبدلت أحوالهم المادية وباتوا يعيشون ببحبوحة وأصبح النت يتواجد في المنزل، لم تعد بتول صديقتي لأنها أم الفداء الانصارية

التعليقات مقفلة.